خلال الأسبوع الفائت؛ شهدت الساحة الأردنية تصاعداً مقلقاً في وتيرة الاعتقالات التي طالت عدداً من الناشطين السياسيين والمواطنين، على خلفية مشاركتهم في مسيرات وتظاهرات سلمية عبّروا فيها عن تضامنهم مع المدنيين في قطاع غزة، أو لانتقادات وجههوا للنظام.
ووفق معطيات حصلت عليها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا؛ فإن قائمة المعتقلين ضمت طلاباً جامعيين، وأطباء، وأعضاء أحزاب سياسية، تم توقيفهم بذرائع متعددة تراوحت بين “التحريض”، و”خرق قوانين الجرائم الإلكترونية”، وبعضها دون توجيه تهم واضحة، الأمر الذي يثير قلقاً بالغاً بشأن حالة الحريات العامة وحقوق الإنسان في البلاد.
ومن بين المعتقلين؛ تم توقيف الناشطين عز الدين عرفة وأسامة زغلول من أمام جامعاتهم، على خلفية ترديدهم هتافات مؤيدة لغزة في مسيرات طلابية. كما تم اعتقال محمد عودة، وأحمد العبويني، ويوسف غزاوي، بعد مشاركتهم في فعاليات تضامنية مماثلة.
كما طالت الاعتقالات الدكتور عصام الخواجا، استشاري أعصاب الأطفال ونائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، أثناء مغادرته مكان عمله في مستشفى البشير، في خطوة اعتُبرت تصعيداً خطيراً في استهداف القيادات الحزبية.
وفي سياق متصل؛ حُكم على الناشط السياسي عامر راجحة بالسجن لمدة ستة أشهر، مع غرامة مالية قدرها خمسة آلاف دينار، استناداً إلى شكوى تتعلق بـ”جرائم إلكترونية” قدمها النائب أندرية العزوني، وهو ما أثار تساؤلات واسعة حول استخدام قوانين تقنية المعلومات لملاحقة المعارضة السياسية.
أما الناشط محمد الفرارجة، فتم اعتقاله عقب مداهمة منزله، وقرر المدعي العام توقيفه أسبوعاً في سجن ماركا على خلفية قضية مرتبطة بقانون الجرائم الإلكترونية.
وتشكل هذه الاعتقالات المتتالية انتهاكاً واضحاً لعدد من المبادئ الأساسية التي تكفلها المواثيق الدولية والإقليمية التي صادق عليها الأردن، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن في مادته الـ19 حرية التعبير، وفي مادته الـ21 الحق في التجمع السلمي.
كما أن استهداف أفراد على خلفية تضامنهم مع شعب يخضع لحرب إبادة جماعية يضع الدولة أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية فيما يخص التزاماتها بمناهضة القمع السياسي وحماية العمل السياسي السلمي.
وتعد القوانين الفضفاضة، مثل قانون الجرائم الإلكترونية، أرضية خصبة لتقييد الحريات المدنية، حيث تُستخدم لتجريم التعبير السياسي، حتى حين يأتي في إطار سلمي ومشروع.
ويشير التوسع في ممارسات الاعتقال التعسفي وتقييد النشاط السياسي السلمي إلى تآكل متواصل في بيئة الحريات العامة في الأردن، خصوصاً حين تترافق مع تجاهل للمعايير القانونية المتعلقة بالاحتجاز، كالإفصاح عن أسباب التوقيف، وضمان سرعة العرض على القضاء، وتوفير الحماية القانونية للمعتقلين.
كما أن استهداف الأطباء والأكاديميين وأعضاء الأحزاب السياسية يحمل دلالات خطيرة، تفتح الباب أمام موجة من التخويف والإقصاء لكل من يجرؤ على التعبير عن رأي مخالف أو يتخذ موقفاً إنسانياً حيال ما يجري في غزة.
وفي ظل ما يعانيه قطاع غزة من مجازر ومجاعة وتهجير قسري؛ لا ينبغي أن يُحاسب من يعبر عن تضامنه أو إنسانيته، بل على العكس، يُفترض أن تكون حرية التعبير سبيلاً للتماسك الاجتماعي، لا سبباً في القمع.
إن الخطوة العاجلة المطلوبة اليوم هي الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين على خلفية آرائهم ومواقفهم السياسية، وفتح نقاش جاد حول ضرورة إصلاح منظومة القوانين التي تُستخدم لقمع الحريات، وضمان بيئة سياسية آمنة للتعبير السلمي والمشاركة العامة.