أدرجت الأمم المتحدة مجدداً قوات الاحتلال الإسرائيلي ضمن “القائمة السوداء” السنوية للأطراف المنخرطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الأطفال في مناطق النزاع، وذلك عن العام 2024، في خطوة تعكس تصاعد المخاوف الدولية من حجم الجرائم المرتكبة بحق الطفولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
وأكد التقرير السنوي الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بشأن “الأطفال والنزاعات المسلحة”، أن قوات الاحتلال ارتكبت انتهاكات خطيرة شملت القتل، والتشويه، واعتقال الأطفال، والهجمات على المدارس والمستشفيات، واستخدام القُصَّر كدروع بشرية، إضافة إلى عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية، لا سيما في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة.
ووثق التقرير وقوع 8554 انتهاكاً خطيراً استهدفت 2944 طفلاً فلسطينياً، من بينهم 951 طفلاً جرى اعتقالهم، فضلاً عن استخدام 27 طفلاً كدروع بشرية خلال عمليات عسكرية، وهو ما يشكل انتهاكاً صريحاً للقانون الإنساني الدولي ومبادئ الحماية الخاصة للأطفال في مناطق النزاع.
وأشار التقرير أيضاً إلى إصابة 1561 طفلاً من ذوي الإعاقة، غالبيتهم العظمى في قطاع غزة، في وقتٍ تواصل فيه قوات الاحتلال استهداف الأحياء السكنية ومراكز الإيواء والمرافق الحيوية، دون أي اكتراث بالقانون الدولي أو بالمعايير الدنيا لحماية المدنيين.
أما على صعيد الحصار، فقد سُجلت 5091 حالة منع لإيصال المساعدات الإنسانية، وهو مؤشر بالغ الخطورة يعكس سياسة التجويع الجماعي، بوصفها أداة ممنهجة في الحرب، ما يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية.
ويأتي هذا التقرير في وقت تتصاعد فيه الانتهاكات الممنهجة بحق سكان غزة منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تخوض قوات الاحتلال حرباً شاملة أفضت إلى مقتل وإصابة أكثر من 186 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وترك ما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل وتهجير قسري طال مئات الآلاف، في ظل حصار خانق ومجاعة متفاقمة.
ولا يمكن تصنيف ما يجري في غزة ضمن إطار “النزاع المسلح التقليدي”، بل يتجاوز ذلك ليشكّل حرب إبادة جماعية مكتملة الأركان. فاستهداف الأطفال، وتفكيك المجتمع المدني، وتدمير البنية التحتية المدنية، وتجويع السكان، كلها ممارسات متعمدة تعكس نية مبيتة في القضاء على جماعة سكانية بأكملها، وهو ما تحظره اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
ورغم صدور أوامر دولية بوقف هذه الجرائم، يواصل الاحتلال سياساته العسكرية القاتلة، متكئاً على دعم سياسي وعسكري خارجي، وصمت دولي يرقى إلى حد التواطؤ، ما يطرح تساؤلات أخلاقية عميقة حول فاعلية النظام الدولي في حماية أبسط حقوق الإنسان.
الأطفال في غزة، الذين يُفترض أن يكونوا تحت الحماية المطلقة بموجب القانون الدولي، أصبحوا أهدافاً مباشرة لحرب لا تفرّق بين مقاتل ومدني، ولا بين بيت ومستشفى، وهو ما يُلزم المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته القانونية والإنسانية قبل أن يفقد القانون الدولي ما تبقى من هيبته.