يتعرض مليونا فلسطيني في قطاع غزة للتجويع الممنهج من الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستخدم الطعام كسلاح لتجريدهم من إنسانيتهم، وفق المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني.
وفي كلمته خلال الدورة 51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في إسطنبول؛ انتقد لازاريني بشدة الآلية المفروضة لتوزيع المساعدات في غزة، والتي وصفها بأنها تتويج لعشرين شهراً من الرعب والتقاعس والإفلات من العقاب، مشيراً إلى أن ما يجري هو إذلال جماعي للفلسطينيين يتم دون أي عواقب تردع الجناة.
وسقط منذ 27 مايو/أيار الماضي ما لا يقل عن 450 قتيلاً فلسطينياً وأُصيب 3466 آخرون خلال محاولاتهم الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء، بينما لا يزال 39 في عداد المفقودين، حيث تحوّلت هذه المراكز، التي تعمل خارج إشراف الأمم المتحدة وبدعم أمريكي وإسرائيلي مباشر، إلى مصائد موت مكشوفة تستدرج الجوعى نحو مناطق الاستهداف الناري.
وانطلقت هذه الخطة التي تُعرف باسم “مؤسسة غزة الإنسانية” دون تنسيق مع الأمم المتحدة أو منظمات الإغاثة المعتمدة، مما عزز من حالة الفوضى والنهب والانفلات في محيط نقاط التوزيع، وأدى إلى تحويل المساعدات المحدودة إلى أداة قتل إضافية داخل بيئة يهيمن عليها الجوع واليأس.
واستمر الاحتلال في تشديد حصاره المفروض على غزة، وأغلق كافة المعابر أمام دخول المواد الإغاثية والطبية والوقود، في حين لم يُسمح سوى بعدد محدود من الشاحنات بالمرور من معبر كرم أبو سالم، الذي يخضع لسيطرته الكاملة. ويُقدَّر أن القطاع يحتاج إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان.
واستُخدم الغذاء كسلاح ممنهج، لا لحرمان الفلسطينيين من الطعام فحسب، بل لتدمير كرامتهم وتجريدهم من أبسط حقوقهم كمدنيين. ويُشكّل هذا النمط من الاستهداف انتهاكاً خطيراً لاتفاقيات جنيف وللقانون الدولي الإنساني، الذي يُحرّم بشكل قاطع استخدام الحصار والتجويع كأسلوب من أساليب الحرب.
وترافق ذلك مع حملة تدمير وتفريغ سكاني تستهدف اللاجئين الفلسطينيين، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، من خلال سياسات الطرد والتهجير وهدم البنية التحتية، خاصة في المخيمات. وتمّ توثيق تغييرات ديموغرافية قسرية تهدف إلى محو الطابع الفلسطيني من الأراضي المحتلة، في سياق مشروع استيطاني توسعي طويل الأمد.
وشنّ الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرب إبادة جماعية ضد سكان قطاع غزة، شملت القتل الجماعي، التجويع، التهجير القسري، والتدمير الشامل للأحياء السكنية والمرافق الصحية والخدمية. وقد تجاوز عدد القتلى والجرحى 187 ألفاً، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود.
وانهارت معظم المؤسسات الإنسانية والصحية، في وقت عمّ فيه الجوع وانتشرت الأمراض وتفشّت المجاعة، خصوصاً بين الفئات الضعيفة. وتحول القطاع إلى منطقة منكوبة بالكامل، دون أي حماية أو التزام دولي فعّال بوقف الجريمة أو ملاحقة مرتكبيها.
وأسهم الدعم السياسي والعسكري المفتوح من قوى دولية نافذة، في تعزيز مناخ الإفلات من العقاب، وتشجيع الاحتلال على الاستمرار في ممارساته دون رادع، ما مثّل ضربة جوهرية لفكرة العدالة الدولية ولمشروعية القانون الإنساني.
وباتت غزة اليوم تمثل اختباراً حاسماً أمام المجتمع الدولي، الذي يُواجه لحظة مفصلية بين أن يثبت جدية التزامه بحماية حقوق الإنسان، أو أن يترك الشعوب الضعيفة تُسحق تحت منطق القوة والعدوان الجماعي، في مشهد يتكرر أمام أعين العالم بصمت مُريب.