أجبر جيش الاحتلال آلاف المدنيين الفلسطينيين في وسط قطاع غزة، على النزوح قسرًا من مناطق سكنية جديدة نحو الجنوب، في إطار عملية عسكرية مستمرة تتخذ طابع الإبادة الجماعية، بعد أكثر من 21 شهراً من الهجمات المستمرة التي طالت السكان، والبنى التحتية، والمرافق المدنية.
وأصدر الاحتلال منتصف الليلة الماضية تحذيرات جديدة عبر وسائل التواصل، طالب فيها المدنيين بإخلاء مناطق النصيرات والزهراء والمغراقة، وأحياء الساحل الشمالي، والنزهة، والبوادي، والبسمة، والبساتين، وبدر، وأبو هريرة، والروضة، والصفا، والتوجه جنوبًا إلى منطقة “المواصي”، التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وتشهد اكتظاظًا خانقًا منذ بدء موجات النزوح.
وجاء ذلك بالتزامن مع تكثيف القصف الجوي والمدفعي على المناطق المذكورة، مما يجعل خيار البقاء شبه مستحيل، ويحول الإخلاء إلى تهجير قسري، في مخالفة صارخة لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، التي تحظر نقل السكان المدنيين قسرًا تحت التهديد المباشر أو غير المباشر بالقوة.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال حربًا وصفت بأنها ممنهجة ضد سكان غزة، تتجلى في عمليات قتل واسعة النطاق، وتجويع، وتدمير شامل للأحياء المدنية، ومرافق الرعاية الصحية، والتعليم، والمياه، مما يدفع إلى توصيف ما يجري باعتباره “إبادة جماعية”، وفقًا لمعايير القانون الدولي، وليس فقط جريمة حرب.
وتشير التقديرات إلى أن عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين بلغ نحو 189 ألفاً، أغلبهم من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود لا تزال جثث العديد منهم تحت الأنقاض، فضلاً عن مئات الآلاف من النازحين الذين يفتقرون للمأوى، والمياه، والغذاء، والرعاية الطبية.
ويمثل نمط العمليات الذي ينتهجه الاحتلال منذ ما يقرب من عامين، من استهداف المدنيين وفرض الحصار الشامل وتجويع السكان عمداً وتهجيرهم المتكرر، سلوكاً مدروساً يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه، عبر الإضعاف المنهجي والمستمر لكل شروط البقاء البشري.
إن ما يجري في غزة ليس فقط أزمة إنسانية، بل جريمة متواصلة ضد الإنسانية، تتحدى القانون الدولي، وتختبر قدرة العالم على الوقوف في وجه الإبادة الجماعية، حين تُنفذ علناً وعلى مرأى الجميع.