أطلق 65 معتقلاً مصرياً نداء استغاثة مؤلماً من داخل سجن “أبو زعبل 2″، عبّروا فيه عن رفضهم التام للترحيل القسري إلى سجن الوادي الجديد، واصفين إياه بـ”سجن الموت”، حيث يتعرض المحتجزون لأبشع أنواع الانتهاكات الجسدية والنفسية، وسط ظروف احتجاز وصفت بـ”اللاإنسانية والمهينة للكرامة”.
وكشفت الرسالة المسرّبة التي عبّر فيها المعتقلون عن حالة من الرعب واليأس، أنهم طلبوا صراحة من ضابط الأمن الوطني إطلاق النار عليهم، باعتبار الموت أهون من العودة إلى المعتقل الصحراوي سيئ السمعة. لكن توسلاتهم قوبلت بالرفض، وتم ترحيلهم بالفعل، وفقاً لما ورد في الرسالة.
ويُعرف سجن الوادي الجديد، الواقع في عمق الصحراء الغربية المصرية، بأنه من أشد أماكن الاحتجاز قسوة في البلاد. وبحسب الشهادات؛ فإن المعتقلين يُستقبلون فيه بما يُعرف بـ”التشريفة”، وهي ممارسة مهينة تنطوي على الضرب الجماعي فور دخولهم، بعد تقييد أيديهم من الخلف وتغطية أعينهم.
وبمجرد وصولهم؛ يُجرد المعتقلون من ملابسهم كاملة باستثناء الملابس الداخلية، وتُحلق رؤوسهم وذقونهم قسراً، ويُجبرون على قضاء حاجتهم في العراء وأمام أعين بعضهم البعض، في مشهد صادم يتجاوز كل معايير الكرامة الإنسانية.
وسلطت الرسالة الضوء على ما يسمى بـ”المصفحة”، وهي زنزانة ضيقة لا تتسع لأكثر من 20 شخصاً، لكنها تضم في الواقع أكثر من 60 معتقلاً، في غياب تام للتهوية أو الإضاءة أو المياه الصالحة للشرب، فيما تغص الزنزانة بالحشرات والقوارض، في حين أن الطعام يُقدَّم بكميات لا تكفي، وغالباً ما يكون فاسداً.
ووفق الرسالة؛ يُمنع المعتقلون من الصلاة أو الوضوء داخل الزنزانة، ويُجبرون كل صباح على خلع ملابسهم وقضاء حاجتهم جماعياً، في وقت يُمنح فيه كل سجين زجاجة ماء واحدة يومياً، لاستخدامها في الشرب والنظافة معاً.
وتحدث المعتقلون عن فصول طويلة من الحبس الانفرادي، والتعذيب النفسي والجسدي، مشيرين إلى أن من يخرج من “المصفحة” يُنقل إلى زنزانة تُعرف بـ”الدواعي”، ثم يتم توزيعه على ثلاثة عنابر رئيسية، تختلف في شدة الانتهاكات التي تُمارَس فيها.
وأشاروا إلى أن عنبر 3 يضم خليطاً من المعتقلين السياسيين والجنائيين، بينما يُخصَّص عنبر 4 للمعتقلين السياسيين فقط، ويُعرف بأنه الأكثر قسوة، إذ تُمارس فيه شتى أنواع التعذيب، ويُمنع السجناء فيه من التريض والشراء من الكافتيريا أو إدخال الملابس، كما تُصادر منهم السخانات ووسائل النظافة.
وفي هذا العنبر، بحسب الرسالة، فإن أي محاولة للاحتجاج أو الإضراب تُقابل بعنف مفرط، يصل إلى التعذيب حتى الموت، كما حدث في حالة المعتقل طارق أبوالعزم.
أما عنبر 8، فعلى الرغم من السماح فيه بالتريض، إلا أن ذلك يتم بطريقة عقابية، حيث يُخرج السجناء فرادى في أشد ساعات النهار حرارة، دون أن يُسمح لهم بالتواصل أو رؤية بعضهم البعض.
وأفاد المعتقلون بأنهم يُجردون من أبسط متعلقاتهم: المصاحف، الكتب، الساعات، وحتى الملابس، في حين تُنفذ حملات تفتيش قمعية من قبل قوات خاصة، تُجبر السجناء على الوقوف ووجوههم إلى الجدار وهم مقيَّدون ومعصوبو الأعين، بينما تُتلف متعلقاتهم من طعام وأغطية.
وذكر المعتقلون أن المياه المتوفرة غير صالحة للشرب، ولا يُسمح بالحصول على ماء بارد، مما أدى إلى انتشار الأمراض.
ووصفت الرسالة ما يُعرف بـ”عنبر التأديب” بأنه مقبرة للأحياء، حيث يُحتجز المعتقل شبه عارٍ، في برد الشتاء وحر الصيف، ويُجبر على الوقوف لساعات طويلة، بينما يُلقى له طعام غير صالح للأكل على الأرض.
وقد وثقت الرسالة وقوع وفيات عدة داخل هذا العنبر، منها: محمد زكي، طارق أبوالعزم، وحسام أبوالعباس. كما أشار المعتقلون إلى وقوع مئات محاولات الانتحار داخل السجن، تعبيراً عن اليأس التام من الحياة وغياب أي أمل في العدالة أو المحاسبة.
وطالب المعتقلون، في ختام رسالتهم، بوقف الترحيل القسري إلى سجن الوادي الجديد، ونقلهم إلى أماكن احتجاز تحترم الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، وتكون قريبة من مقار إقامة أسرهم، في ظل الأعباء النفسية والمادية التي تتكبدها عائلاتهم.
كما دعوا إلى تدخل عاجل من أجل التحقيق فيما وصفوه بجرائم تعذيب ممنهج، ووقف الممارسات التي وصفوها بأنها انتهاك صارخ للكرامة والحقوق الأساسية المكفولة لكل إنسان، مؤكدين أن ما يجري داخل هذا السجن يتجاوز السجون، ليبلغ مستوى الجرائم التي تستدعي المحاسبة الوطنية والدولية.