حذّر مدير مستشفى الشفاء في غزة، محمد أبو سلمية، من تحول المستشفيات إلى مقابر خلال ساعات، بفعل النقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية في ظل الحصار المشدد الذي يفرضه الاحتلال على القطاع.
وصرّح أبو سلمية في مقابلة مع وكالة الأناضول أن ما يتوفر لديهم من الوقود لا يتجاوز 1000 لتر يوميًا، في حين أن الحد الأدنى المطلوب لتشغيل الأقسام الحيوية يتجاوز 1500 لتر.
وأُجبر الطاقم الطبي على وقف قسم غسيل الكلى، ما أدى إلى حرمان أكثر من 350 مريضًا من تلقي العلاج، بينما اقتصر تشغيل المولدات على العناية المركزة وقسم العمليات الجراحية، رغم القصف المتواصل.
وبيّن أبو سلمية أن أي تأخير في تزويد الوقود سيعني موتًا مؤكدًا لـ13 مريضًا في العناية المركزة و17 طفلًا في الحضانة، بالإضافة إلى الجرحى الذين ينتظرون عمليات طارئة.
وتعمّد الاحتلال منذ 2 مارس إغلاق معابر القطاع بشكل كامل، ومنع دخول الوقود والمساعدات، متسببًا في تكدس آلاف الشاحنات على الحدود، مقابل السماح بدخول كميات لا تكفي لاحتياجات يوم واحد. وأسهم هذا الإغلاق المتعمّد في تجفيف مقومات الحياة، وضرب قدرة القطاع الصحي في العمق.
وانتهك الاحتلال، من خلال استهدافه الممنهج للمستشفيات، قاعدة قانونية أساسية في النزاعات المسلحة، تقضي بحماية المنشآت الطبية وعدم التعرض لها أو عرقلة عملها. وحظر القانون الدولي، وفق قواعده العرفية واتفاقيات جنيف، استخدام الحصار والتجويع كوسيلة لإضعاف المدنيين أو إجبارهم، لا سيما حين يُقترن بمنع الرعاية الصحية.
وأدّى هذا الحصار إلى شلل شبه تام في الخدمات الصحية، حيث تعطلت 85% من غرف العمليات في مستشفى الشفاء، ولم تبقَ سوى 45 غرفة من أصل 312 تعمل بإمكانيات متواضعة. وتزامن ذلك مع اكتظاظ يفوق الطاقة الاستيعابية في أقسام المبيت والعناية المركزة، وسط تصاعد حاد في الإصابات الحرجة.
وتفاقمت الأزمة مع نقص كبير في وحدات الدم، حيث تجاوز الطلب الشهري 10 آلاف وحدة، في وقت أصبح فيه 90% من السكان غير قادرين على التبرع بسبب الجوع وسوء التغذية. ومثّلت هذه الأزمة نتيجة مباشرة لسياسة ممنهجة استهدفت البنية الصحية والغذائية معًا، بما لا يترك شكًا في وجود نية تدميرية شاملة.
وسمحت سلطات الاحتلال، تحت ضغوط خارجية، بإدخال 2900 وحدة دم فقط، وهي كمية لا تكفي أكثر من أسبوع واحد، بحسب تقديرات الكوادر الطبية في غزة. وجاء هذا الإدخال المحدود في سياق استعراض شكلي لا يغيّر من جوهر الواقع، حيث تُترك المستشفيات تنهار تحت القصف والعطش وانعدام المواد.
واستمر الاحتلال في استهداف مناطق مأهولة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 80 فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال، في غارات جوية يوم الثلاثاء وحده، وفق مصادر طبية. وأحدث هذا التصعيد ضغطًا جديدًا على المستشفيات التي باتت عاجزة عن استقبال مزيد من الجرحى.
وشنّ الاحتلال منذ أكتوبر 2023 حرب إبادة جماعية ضد سكان قطاع غزة، جمعت بين القتل الجماعي والتجويع الممنهج والتدمير الشامل للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الطبية، واتّبع نمطًا متكررًا في استهداف مراكز الرعاية الصحية، لا يترك مجالًا لتفسير ما يجري إلا ضمن إطار النية المتعمّدة للقضاء على السكان المدنيين عبر منع العلاج، ومنع الحياة.
وتجاوز عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين 191 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال، في وقت لا تزال فيه آلاف الجثث تحت الركام، بينما يعاني مئات الآلاف من النزوح والجوع والموت البطيء.
ولا يُمكن فصل استهداف المستشفيات وتجفيف إمكانياتها عن هذا السياق العام، إذ يمثل جزءًا أساسيًا من منظومة القتل الجماعي التي تسعى إلى سحق كل مظاهر البقاء داخل القطاع المحاصر.