بينما يتواصل العدوان على قطاع غزة للأشهر العشرة على التوالي، وفي ظل الحصار المحكم وتقييد إدخال المساعدات؛ تتصاعد التحذيرات من أن توزيع الغذاء والدواء تحوّل من أداة إنقاذ إلى وسيلة قتل.
وبدلاً من أن تكون مراكز توزيع المساعدات ملاذاً آمِناً للمدنيين الجوعى؛ باتت مواقع موت جماعي يتكرر فيه سقوط القتلى تحت نيران الاحتلال أو في ظل فوضى يائسة، ما يثير جملة من الأسئلة الحقوقية حول طبيعة السياسات الإسرائيلية – الأميركية، التي صممت آلية توزيع تفرّغ المعنى الإنساني من كل محتوى، وتُحوّل النجاة إلى مخاطرة قاتلة.
وفي هذا السياق؛ طالبت 169 منظمة إغاثية من مختلف أنحاء العالم بوقف فوري لهذه الآلية، التي تديرها مؤسسة تُعرف باسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، وتحظى بدعم مباشر من الاحتلال والولايات المتحدة.
ودعت هذه المنظمات إلى استعادة الإشراف الأممي على توزيع المساعدات، مشيرة إلى أن الآلية الحالية لا تحمي المدنيين بل تعرّضهم لخطر الموت يومياً.
وسجّل البيان المشترك مقتل أكثر من 500 فلسطيني وإصابة نحو 4000 آخرين خلال أقل من شهر، أثناء محاولاتهم الوصول إلى المساعدات، أو أثناء وجودهم في محيط مراكز التوزيع، مبيناً أن المدنيين يُجبرون على عبور مناطق قتال خطيرة سيراً على الأقدام، ثم يُتركون ليتزاحموا بطريقة فوضوية حول شاحنات مؤمنة من قِبل جنود الاحتلال.
وانتقد البيان ما وصفه بـ”الآلية المميتة”، مؤكداً أن ما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” لا تملك أي سجل موثوق في العمل الإنساني، وأن مصادر تمويلها وعلاقاتها الأمنية تُفقدها الحياد والشرعية. ورفضت معظم الوكالات الأممية والمنظمات الدولية التعاون معها، في ظل مخاوف من توظيف العمل الإغاثي لأغراض عسكرية وأمنية.
وأكدت المنظمات أن ما يجري يشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، خصوصاً ما يتعلق بواجب توفير الحماية للمدنيين، وضمان الوصول الآمن للمساعدات، ومنع استخدام التجويع كسلاح حرب.
وجاءت هذه المطالب بعد أن كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن شهادات جنود قالوا إنهم تلقوا أوامر بإطلاق النار على مدنيين قرب مراكز المساعدات، حتى دون وجود تهديد فعلي. وأقرّ مسؤول كبير في ما يُسمّى “قيادة المنطقة الجنوبية” باستخدام نيران مدفعية غير منضبطة، ما أدى إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى.
وتتزامن هذه التطورات مع تصعيد في سياسة التجويع والتجفيف الكامل لشبكات التوزيع التقليدية. فمنذ مارس الماضي، أوقف الاحتلال آلية التوزيع التي كانت تقودها الأمم المتحدة، وعلى رأسها وكالة الأونروا، التي كانت توظف 13 ألف شخص في القطاع. وأكد المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أن “مؤسسة غزة الإنسانية لا تقدم سوى التجويع والرصاص”.
ويمثّل استهداف عمليات توزيع المساعدات امتداداً لنمط الحرب الشاملة التي يشنّها الاحتلال منذ أكتوبر 2023، والتي تجمع بين القتل المباشر، والتدمير الواسع، والتجويع الجماعي، والتهجير القسري.
وتُصنَّف هذه الممارسات ضمن جرائم الإبادة الجماعية حين تقترن بالنية المتعمدة لإهلاك السكان المدنيين كلياً أو جزئياً، سواء عبر استهدافهم المباشر، أو عبر منعهم من الحصول على ضروريات الحياة.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن أكثر من 191 ألف فلسطيني سقطوا بين قتيل وجريح منذ بدء الحرب، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى آلاف المفقودين ومئات الآلاف من النازحين.