في تطور جديد يعكس عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة؛ أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مساء الأربعاء عن نفاد القبور في معظم مناطق القطاع، وسط استمرار حملة الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال منذ أكثر من 21 شهراً، والتي خلفت حتى اليوم عشرات الآلاف من القتلى، معظمهم من الأطفال والنساء.
وقالت الوزارة في بيان إن “الاستهداف الممنهج للمدنيين، واستمرار الإبادة الجماعية، يأتي بالتزامن مع نفاد القبور في معظم مناطق قطاع غزة”، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال دمّرت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 40 مقبرة بشكل كلي أو جزئي، ما أدى إلى فقدان مساحات الدفن في العديد من المناطق، وانهيار البنية التحتية للدفن.
ولفتت الوزارة إلى أن الاحتلال يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى المقابر الواقعة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته الأمنية والعسكرية، وهو ما أسهم في تفاقم العجز الحاد في القبور، واستنزاف المساحات المتبقية، مع تواصل ارتفاع أعداد القتلى نتيجة القصف والتجويع والحرمان من الخدمات الأساسية.
ويُحظر، وفق البيان، دخول مواد البناء والأكفان والمعدات اللازمة لتجهيز القبور، ما يعوق دفن القتلى وفق المعايير الشرعية والإنسانية. كما أسهمت أوامر الإخلاء الإسرائيلية في تقليص المساحات المخصصة للدفن، إذ تحولت العديد من الأراضي إلى ملاجئ مؤقتة لعشرات آلاف النازحين.
وتحولت ساحات المدارس والمنازل إلى مواقع طارئة للدفن، مع تكدس جثامين القتلى في المستشفيات وساحاتها، في ظل انعدام أي أفق لحل الأزمة، وتخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته. وارتفعت تكلفة تجهيز القبر الواحد إلى ما بين 700 و1000 شيكل، وهو مبلغ مرهق للأسر التي فقدت معيلها أو دُمّرت منازلها.
ويُعدّ تدمير المقابر، ومنع دفن الموتى، أحد الأوجه المروعة لحرب الإبادة التي تُمارس ضد الفلسطينيين في غزة. فحرمان السكان من حقهم في دفن موتاهم ليس فقط انتهاكاً خطيراً للكرامة الإنسانية، بل يرقى إلى مستوى الأعمال الممنهجة التي تستهدف تقويض كل معالم الحياة والموت على حد سواء.
ويُضاف هذا الانتهاك إلى سلسلة واسعة من الجرائم الموثقة، شملت القتل العشوائي، والحصار والتجويع، واستهداف البنى التحتية والمرافق الطبية والتعليمية، وفرض النزوح الجماعي القسري على مئات آلاف المدنيين. وهي ممارسات تنطبق على المعايير القانونية الدولية لتعريف الإبادة الجماعية، كونها تتم عن سابق تصميم، وبأدوات تتعمد إهلاك جماعة بشرية معينة كلياً أو جزئياً.
ويقول سكان غزة إنهم يعيشون فصولاً مستمرة من الموت الجماعي، إذ لا يجد ذوو القتلى مكاناً لدفن أبنائهم، في حين تُستخدم قبور قديمة لدفن أكثر من جثة واحدة. ولا تزال صور الجثث المتحللة في ساحات المستشفيات تُتناقل يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي، شاهدة على المأساة المستمرة في ظل صمت دولي مريب.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال حرباً شاملة على قطاع غزة، أسفرت حتى الآن عن أكثر من 191 ألف قتيل وجريح، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، غالبيتهم أطفال، فضلاً عن مجاعة أودت بحياة كثيرين، وموجات تهجير قسري أجبرت مئات آلاف المدنيين على النزوح في ظروف إنسانية كارثية.
وفي ظل استمرار هذه الحرب، وتزايد المؤشرات على نية الاحتلال محو كل أثر للحياة في غزة، تبرز أزمة القبور كمشهد فادح من مشاهد الانهيار، ودليلاً دامغاً على اتساع رقعة الجرائم الجماعية المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين، في أكبر مأساة إنسانية تشهدها الأراضي المحتلة منذ نكبة 1948.