في مشهد يعكس فصول المأساة المستمرة في قطاع غزة، قُتل ما لا يقل عن 73 فلسطينياً، بينهم نساء وأطفال و33 من منتظري المساعدات الإغاثية، خلال ساعات من القصف المتواصل الذي ينفذه جيش الاحتلال الإسرائيلي على مناطق متفرقة من القطاع، منذ فجر الخميس.
ووفق مصادر طبية وشهود عيان، فقد استهدفت الغارات منازل وخيام نازحين وتجمعات للمدنيين في شمال ووسط وجنوب القطاع، بما في ذلك مدارس تأوي مهجرين، وتجمعات انتظار المساعدات الغذائية، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، واندلاع حرائق ضخمة.
وفي وسط مدينة غزة، قُتل 12 فلسطينياً، معظمهم من الأطفال والنساء، في غارة استهدفت “مدرسة مصطفى حافظ”، التي كانت تؤوي نازحين. وذكر مصدر طبي في مستشفى الشفاء أن جثث القتلى وصلت متفحمة بفعل الحريق الذي التهم أجزاءً كبيرة من المدرسة.
وفي حي التفاح شرقي المدينة، شنّ الطيران الحربي غارتين على “مدرسة فهد الصباح”، بعد إنذار بإخلائها، مما أدى إلى دمارها بالكامل، وفق روايات شهود.
وبعد أقل من ساعة، تسببت قذائف الاحتلال في مذبحة جديدة، إذ قتل 24 مدنياً من منتظري المساعدات، في قصف طال تجمعات بشرية شرقي “دوار النابلسي” وقرب محور نيتساريم جنوب مدينة غزة، في مشهد وصفه الطاقم الطبي بأنه “مجزرة جديدة ضد الجوعى والعزّل”.
وفي جنوب القطاع، أفادت مصادر طبية بوصول 26 قتيلاً إلى مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، بينهم سبعة مدنيين قتلوا أثناء انتظار المساعدات في منطقة التحلية. كما قصفت الطائرات خيام نازحين في منطقة المواصي، ما أدى إلى اندلاع نيران التهمت عدداً من الملاجئ المؤقتة.
وتأتي هذه الجرائم ضمن سياق متصاعد من استهداف متعمد للمدنيين، خاصة أولئك الذين يصطفون في طوابير انتظار المساعدات، رغم معرفـة الجهات المنفذة مسبقاً بطبيعة هذه التجمعات البشرية.
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أعلنت في وقت سابق أن عدد قتلى مراكز توزيع المساعدات، منذ بدء العمل بالآلية الأمريكية – الإسرائيلية في 27 مايو/أيار الماضي، تجاوز 640 قتيلاً، إلى جانب قرابة 4500 مصاب، ما يثير تساؤلات خطيرة حول مدى تعمد الاحتلال استخدام الجوع أداة حرب، ضمن حملة ممنهجة لتجويع السكان ومحاصرتهم حتى الموت.
ويُنظر إلى هذا السلوك بوصفه واحداً من أركان جريمة الإبادة الجماعية، التي لا تقتصر على القتل المباشر، بل تشمل سياسات التجويع والتهجير القسري وتدمير مقومات الحياة.
وفي حصيلة سابقة يوم الأربعاء، قتل الاحتلال 116 فلسطينياً آخرين، بينهم 27 من المجوّعين، نتيجة غارات على تجمعات مدنية ومرافق إيواء. كما وثّق المكتب الإعلامي الحكومي تنفيذ الجيش الإسرائيلي لـ26 “مجزرة دموية” خلال 48 ساعة فقط، خلّفت أكثر من 300 قتيل ومئات الجرحى والمفقودين، جميعهم من المدنيين.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن قوات الاحتلال حرباً شاملة ضد سكان قطاع غزة، تندرج ضمن التصنيف القانوني للإبادة الجماعية، إذ تشمل القتل والتجويع والتدمير الممنهج للأحياء السكنية، وتهجير مئات آلاف المدنيين قسرياً، وسط تجاهل تام لأوامر محكمة العدل الدولية وللنداءات الدولية المتكررة بوقف الحرب.
وقد أسفرت هذه الحرب حتى اليوم عن مقتل وإصابة أكثر من 191 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، مع أكثر من 11 ألف مفقود، في ظل ظروف إنسانية وصحية متدهورة، ونقص حاد في الغذاء والماء والدواء، ومجاعة تتفاقم بشكل متسارع.
ورغم تصاعد وتيرة الجرائم والانتهاكات، ما تزال آلة الحرب الإسرائيلية تعمل دون مساءلة، وسط دعم سياسي وعسكري أميركي، وصمت دولي غير مبرر. فيما يعيش الفلسطينيون في غزة تحت نيران حرب شاملة، تمعن في سلبهم حتى من الحق في الحياة أو الحصول على الطعام والمأوى.
وبينما تُحصى أعداد القتلى يوماً بعد يوم، يزداد القلق الحقوقي إزاء تمادي الاحتلال في استخدام أدوات الإبادة، وخرق المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين، واستخدام الحصار كسلاح ضد الشعوب، ويكفل الحق في الغذاء والكرامة والنجاة.