وسط صمت دولي ثقيل؛ تتواصل سياسة الخنق المنهجي التي يمارسها الاحتلال على قطاع غزة، حيث لم تعد مشاهد الدمار وحدها عنوان المأساة، بل الجوع أيضاً بات وجهاً صارخاً لحرب إبادة جماعية تُنفَّذ ببطء، وبدم بارد، ضد أكثر من مليوني إنسان محاصر تحت القصف والحرمان.
وفي هذا السياق؛ حذّر مدير العمليات في برنامج الأغذية العالمي، كارل سكاو، من أن “الاحتياجات في قطاع غزة أصبحت أكبر من أي وقت مضى، والاستجابة الإنسانية أكثر تقييداً”، معتبراً أن الوضع بعد زيارته الأخيرة للقطاع “أسوأ مما كان”.
وأضاف سكاو، عبر سلسلة تدوينات على منصة “إكس”، أن الجوع ينتشر في القطاع، وأن السكان يموتون “لمجرد بحثهم عن الطعام”، في إشارة مباشرة إلى حجم الكارثة المتفاقمة.
وتعمل فرق برنامج الأغذية في ظروف أشبه بمناطق الموت، حيث يجد العاملون أنفسهم عالقين وسط تبادل إطلاق النار خلال مرافقة قوافل الإغاثة. ومع ذلك، يواصلون محاولاتهم لإيصال الغذاء، في وقت بدأت فيه الإمدادات الحيوية مثل الوقود وقطع الغيار وأجهزة الاتصال بالنفاد، فيما يعاني العاملون المحليون الجوع والخطر ذاتهما اللذين يواجههما جميع سكان القطاع.
إن ما يجري في غزة لا يمكن اختزاله في أزمة إنسانية أو مجرد حصار عابر، بل هو تجويع ممنهج يستخدم فيه الطعام كسلاح حرب لإخضاع السكان، عبر منع دخول المساعدات، واستهداف مراكز التوزيع، وقطع سبل الحياة، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، التي تحظر بشكل قاطع استخدام التجويع كأداة من أدوات الصراع.
ورغم وجود كميات من الغذاء في متناول الجهات الأممية، فإن الاحتلال يفرض قيوداً معرقِلة تمنع إدخالها، حيث أشار سكاو إلى أن البرنامج استطاع خلال وقف إطلاق النار السابق إدخال ثمانية آلاف شاحنة في 42 يوماً، مؤكداً قدرة الأمم المتحدة على تكرار ذلك إذا تم فتح الطرق والمعابر، وتوفير الحد الأدنى من الأمان.
ولم يعد الجوع في غزة نتيجة جانبية للحرب، بل هو سياسة متعمدة ومستمرة تهدف إلى إنهاك المجتمع الفلسطيني حتى الانهيار، في إطار حرب إبادة جماعية تُخاض عبر تدمير منظومة الحياة بالكامل: من الماء والكهرباء، إلى المشافي والمدارس، وصولاً إلى لقمة الخبز.
ويبدو واضحاً أن وقف إطلاق النار وحده لا يكفي ما لم يترافق مع تفكيك كامل للبنية القانونية والسياسية التي تتيح لهذا الحصار أن يستمر، وتضع الملايين تحت خطر الموت البطيء.
في قطاع غزة اليوم؛ يُقاتل الناس من أجل البقاء، لا فقط تحت القصف، بل أمام أفران مغلقة، وأسواق خاوية، ومخازن غوث متوقفة. والاحتلال من جانبه؛ يستمر في معاقبة شعب بأكمله عبر حرمانه من أبسط حقوقه، في واحدة من أكثر الجرائم الجماعية سفوراً في العصر الحديث.