يواجه قطاع غزة كارثة إنسانية مركبة، حيث بات الموت جوعاً يهدد حياة نحو 650 ألف طفل دون سن الخامسة، ضمن سياسة تجويع ممنهجة يفرضها الاحتلال، وسط صمت دولي يرقى إلى التواطؤ، إن لم يكن الشراكة في الجريمة.
فبعد 133 يوماً من الإغلاق الكامل للمعابر؛ تحولت المجاعة إلى واقع مرير يفتك بالفلسطينيين، إذ يعاني أكثر من 1.25 مليون إنسان في غزة من جوع كارثي، فيما يعاني 96% من السكان من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، في وقت تسجل فيه حالات وفاة متتالية، نتيجة نقص الغذاء والمكملات الدوائية الأساسية، لا سيما بين الأطفال والرضّع.
ولا تقتصر المعاناة على الجوع وحده، بل تشمل حرماناً تاماً من الماء النظيف، وغياباً لمقومات النظافة الأساسية، حيث لا تتوفر أدنى وسائل الوقاية من الأمراض في ملاجئ مكتظة وغير صالحة للحياة، وسط حرارة الصيف المرتفعة، في وقت يعاني فيه النظام الصحي من انهيار تام، بفعل القصف المباشر للمستشفيات ومنع دخول الدواء والمستلزمات الطبية.
وفي بيان رسمي؛ حمّلت حكومة غزة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تفاقم الأوضاع، مؤكدة أن ما يجري يمثل واحدة من أشنع جرائم الحصار الجماعي في العصر الحديث، حيث تمنع قوات الاحتلال دخول الطحين وحليب الأطفال والمكملات الغذائية والطبية، في إطار سياسة منظمة لحرمان السكان من الغذاء والدواء، وتحويل الجوع إلى أداة للقتل الجماعي.
وتزامن ذلك مع تحذيرات متكررة من أن ما يجري في غزة لم يعد مجرد “كارثة إنسانية”، بل يدخل ضمن حرب إبادة جماعية مكتملة الأركان، لا تقتصر على القتل عبر القصف، بل تمتد لتشمل القتل بالتجويع والتشريد والحرمان من أبسط حقوق الإنسان في الحياة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يواصل الاحتلال حربه على القطاع، وقد خلّفت هذه الإبادة حتى اليوم أكثر من 195 ألف قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 10 آلاف مفقود، في ظل دمار واسع طال المنازل والمرافق والبنى التحتية، وأدى إلى تهجير مئات الآلاف من السكان.
وفي ظل هذا المشهد؛ تبدو المنظومة الدولية عاجزة أو متواطئة، حيث لم تُفعّل أي آلية لوقف الجرائم المستمرة، رغم أوامر قضائية دولية ودعوات لا حصر لها لوقف العدوان. ولا يزال الأطفال في غزة يواجهون خطر الموت جوعاً، بعد أن فشلت القوى الكبرى في إيقاف آلة القتل، وتركت المدنيين فريسة لحرب شاملة تستهدف كل ما هو حي.
إن ما يحدث في غزة ليس مأساة عابرة، بل جريمة موثقة ضد الإنسانية، تفضح النظام العالمي القائم على الانتقائية، وتطرح أسئلة أخلاقية وحقوقية كبرى على ضمير البشرية. فحين يُقتل الأطفال جوعاً، ويُمنع الدواء عن المرضى، وتُقصف المستشفيات، ويُحاصر شعب بأكمله بلا ذنب، فإن الصمت لا يكون مجرد حياد، بل شراكة معلنة في الجريمة.