تقدّمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بشكوى إلى مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، دعت فيها إلى فتح تحقيق عاجل في جرائم خطيرة يُشتبه بارتكابها من قبل مسؤولين في مؤسسة “غزة الإنسانية” وشركات أمنية متعاقدة معها، وذلك خلال الفترة الممتدة من 27 مايو وحتى تاريخه.
وأوضحت المنظمة أن الجرائم المرتكبة تندرج في صلب اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتشمل أخطر الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، وهي: جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والمشاركة في جريمة الإبادة الجماعية.
وأضافت أن الشكوى أُرفقت بأدلة وخرائط وصور التقطتها الأقمار الصناعية تُظهر أن مراكز توزيع المساعدات التابعة للمؤسسة أُنشئت بهدف القتل والتجويع والتهجير، وليس بغرض الإغاثة الإنسانية.
وتُبيّن الصور الجوية أن هذه المراكز صُمّمت على نمط قواعد عسكرية، بمداخل ضيقة تمتد في اتجاه واحد لمسافات طويلة تصل إلى عدّة كيلومترات، تؤدي إلى مناطق اختناق تدريجي، وكلما تقدم المدنيون في هذه الممرات، يبدأ إطلاق النار عليهم، وفي بعض الحالات تُطلق قذائف دبابات مباشرة نحو الجموع.
وأشارت المنظمة إلى أن عمليات القتل ما تزال تتصاعد داخل وحول مراكز توزيع المساعدات، وهي موثقة بشهادات ميدانية وتقارير أممية وإعلامية مستقلة، ما يؤكد أن تلك المراكز تحوّلت إلى مصائد قتل تُدار ضمن أجندات عسكرية، وتُستخدم كغطاء لعملية التجويع الممنهجة التي تُمارس بحق سكان قطاع غزة.
وأكدت المنظمة أن المؤسسة لعبت دوراً محورياً في تعزيز موقف الاحتلال بمنع دخول المساعدات الإنسانية المقدّمة من الأمم المتحدة والمنظمات المتعاقدة معها، مما أدى إلى وفاة العديد من المدنيين، بينهم أطفال، نتيجة نقص الغذاء والدواء، وبات الجوع يهدد حياة عشرات الآلاف.
ورغم فداحة هذه الجرائم، لم يصدر عن المشتبه بهم في المؤسسة أي بيان جدي يوضح موقفهم أو يتناول مسؤوليتهم القانونية. وكل ما صدر عن المؤسسة كان مجرد بيانات باهتة تتسم بالجبن وانعدام الضمير، وصل بعضها إلى حد تبرير الجرائم أو التقليل من خطورتها، وفي بعض الحالات اكتفت المؤسسة بإبداء الأسف لسقوط الضحايا دون أي اعتراف بالمسؤولية أو التزام بالمحاسبة.
ونوّهت المنظمة إلى أن مسؤولي المؤسسة يشعرون بأنهم بمنأى عن أي محاسبة أو مساءلة قانونية، نتيجة الغطاء السياسي الذي توفره الإدارة الأمريكية، كما أن أحد كبار مسؤولي المؤسسة يتمتع بعلاقات وثيقة مع دولة إقليمية ذات ارتباطات استراتيجية بالاحتلال الإسرائيلي، ويُشتبه بتورطها في دعم هذه الجرائم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال تقديم تسهيلات أو التغاضي عن الانتهاكات الجارية.
وفي هذا السياق، جددت المنظمة دعوتها إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات فورية على مسؤولي المؤسسة، بموجب قانون العقوبات العالمي لحقوق الإنسان ماغنيتسكي، كما ناشدت المجتمع الدولي، بمن فيهم الحقوقيون والبرلمانيون، إلى تكثيف الجهود من أجل ملاحقة ومحاسبة هؤلاء المسؤولين في جميع الولايات القضائية المتاحة.
وأشارت المنظمة إلى أن العالم بأسره، بمن فيهم بعض الحلفاء التقليديين للاحتلال، بدأ ينتفض في وجه الجرائم المرتكبة، ويُدين سياسات التجويع الجماعي. في المقابل، يغرق النظامان العربي والإسلامي في وحل الصمت والتخاذل، فلم يظهر من بعض هذه الحكومات سوى قمع للمظاهرات الشعبية المؤيدة لغزة، واعتقالات تعسفية، ومحاكمات ميدانية للنشطاء، في مشهد يعكس انفصاماً صارخاً بين الأنظمة وشعوبها.
ودعت المنظمة شعوب العالم العربي والإسلامي إلى أن يحذوا حذو الشعوب الحرة في مختلف أنحاء العالم، بالخروج في مظاهرات عارمة ترفض التواطؤ والتجويع، وتطالب بتحرك فاعل لإدخال المساعدات الإنسانية فوراً.
كما شددت على ضرورة تحويل مدينة رفح إلى نقطة انطلاق دولية لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وإدخال المساعدات تحت راية الأمم المتحدة، رغماً عن إرادة الاحتلال، وبمشاركة المجتمع الدولي والمنظمات المستقلة.