في مشهد يعكس عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة؛ توفي الفتى عاطف أبو خاطر، اليوم السبت، داخل مجمع الشفاء الطبي، نتيجة سوء التغذية الحاد الناتج عن المجاعة التي تضرب القطاع المحاصر، في واحدة من أبشع صور الانهيار الإنساني المتعمد الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي.
وتشكل وفاة الفتى أبو خاطر حلقة في سلسلة وفيات ناجمة عن سياسة التجويع الممنهج، إذ سبق أن أُعلن خلال الأيام الماضية عن وفاة 8 مدنيين آخرين في ظروف مشابهة، لترتفع حصيلة الوفيات الناتجة عن الجوع وسوء التغذية إلى 155 ضحية، بينهم 90 طفلاً.
ومنذ 2 آذار/مارس 2025، يُحكم الاحتلال الإسرائيلي الإغلاق الكامل على قطاع غزة، بعد أن أغلق جميع المعابر ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، بما في ذلك المساعدات التي تدخل تحت إشراف أممي.
وأدى هذا الحصار، إلى جانب الاستهداف الممنهج للبنى التحتية والمخازن الغذائية والمراكز الطبية، إلى انهيار شامل في سلاسل الإمداد، وتحوّل الغذاء إلى سلعة نادرة، لا تصل حتى إلى الأطفال والمرضى.
وفي سياق ذلك؛ يتكشف استخدام المجاعة كسلاح حرب، وهو ما يُعد جريمة بموجب القانون الدولي الإنساني. فالمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تحظر تماماً “تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال”.
ورغم التحذيرات الأممية؛ تواصل قوات الاحتلال تعمد تأخير المساعدات الإنسانية عند المعابر، وفرض قيود لوجستية تعيق حتى دخول قوافل الإغاثة التي يُفترض أن تحظى بحماية قانونية.
إن ما يجري في غزة ليس مجرد “كارثة إنسانية” عارضة، بل سياسة قتل بطيء وممنهج للمدنيين عبر التجويع، تُستخدم كجزء من حرب إبادة جماعية بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023، وأسفرت حتى اللحظة عن مقتل 60,138 فلسطينياً وإصابة 146,269 آخرين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وفق حصيلة طبية ميدانية.
ومع غياب الرعاية الصحية، وشح المياه النظيفة، وانهيار سبل العيش؛ يجد مئات الآلاف من الأطفال والنساء أنفسهم بين فكي الحصار والموت البطيء، في وقتٍ يواصل فيه المجتمع الدولي الاكتفاء بالتحذير دون أي إجراءات رادعة.
إن وفاة الفتى عاطف أبو خاطر اليوم جوعاً، ليست مأساة فردية فحسب، بل دليل قاطع على أن ما يحدث في غزة هو قتل متعمد للمدنيين عبر الحصار والتجويع، وهي جريمة لا تقل بشاعة عن القصف المباشر. وإن لم تُوقف هذه الجرائم فوراً؛ فإن الموت سيواصل زحفه الصامت على من تبقى من أرواح تقاوم البقاء وسط ركام العدالة الغائبة.