في فصل جديد من فصول الإبادة الجماعية التي يعيشها قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن ارتفاع عدد ضحايا سياسة التجويع التي ينفذها الاحتلال بحق المدنيين إلى 180 قتيلاً، بينهم 93 طفلاً، بعد وفاة 5 أشخاص جدد خلال 24 ساعة نتيجة سوء التغذية.
وتمثل هذه الأرقام دليلا صارخا على تعمّد الاحتلال قتل الفلسطينيين بوسائل متعددة، وعلى رأسها الحصار الغذائي الممنهج، الذي حوّل الجوع إلى أداة للقتل الجماعي. فالضحايا لا يسقطون فقط تحت القصف، بل أيضاً في صمت بطيء، داخل الأحياء المنهكة والمشافي المتهالكة، وفي حضن أمهاتهم العاجزات عن توفير كسرة خبز أو جرعة دواء.
ووفق بيان وزارة الصحة؛ فإن الخمسة الذين قضوا خلال اليوم الأخير كانوا جميعهم من البالغين، لترتفع الحصيلة الإجمالية لضحايا المجاعة إلى 180 قتيلاً، بينهم 93 طفلاً.
ومع تفاقم الأزمة؛ تزداد المخاوف من أن تكون هذه الأرقام مجرد بداية لما قد يتحول إلى موجات وفاة جماعية، خصوصاً في ظل الانهيار الكامل لشبكات الإمداد الغذائي وانعدام الأمن الصحي.
ويستخدم الاحتلال التجويع كسلاح حرب في غزة، فمنذ 2 مارس/آذار الماضي؛ شدّد حصاره على القطاع وأغلق جميع المعابر أمام دخول المساعدات الإغاثية والطبية، متسبباً في تفشي المجاعة ووصول مؤشراتها إلى مستويات “كارثية”، بحسب بيانات رسمية وميدانية. وحتى عندما “سمح” الاحتلال في 27 أغسطس/آب بدخول شاحنات إغاثة محدودة؛ لم يتجاوز عددها العشرات يومياً، في وقت يحتاج فيه القطاع إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً لإنقاذ أرواح سكانه.
ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بمنع المساعدات، بل سهّلت عمليات السطو عليها على يد الميليشيات في المعابر والمناطق العازلة، ووفرت لها الحماية، مما كشف عن نية متعمدة في تقويض أي جهد إنساني.
وأعربت المنظمات الأممية، وفي مقدمتها اليونيسف، مراراً عن صدمتها من الواقع الكارثي، محذرة من أن أطفال غزة يموتون بمعدلات غير مسبوقة، في ظل شح الغذاء والمياه الصالحة للشرب، وانهيار النظام الصحي. وقدّر برنامج الأغذية العالمي عدد الأطفال والنساء الذين يعانون من سوء تغذية حاد بأكثر من 100 ألف، في ظل غياب أي أفق حقيقي للإنقاذ.
لكن رغم وضوح الجريمة وتكرار التحذيرات؛ لم يتحرك المجتمع الدولي لمنع الكارثة أو لوقف سياسات القتل البطيء. وهو ما يرسّخ القناعة بأن ما يجري في غزة لا يُعالج كمأساة إنسانية طارئة، بل يُدار كحرب إبادة مكتملة الأركان، تستخدم فيها المجاعة كسلاح بطيء لإبادة من لم تقتلهم الصواريخ والطائرات.
وأوقعت الإبادة التي ينفذها الاحتلال بدعم أمريكي، حتى الآن، أكثر من 210 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، فضلاً عن مئات آلاف النازحين، ومجاعة لا تزال تفتك بالأحياء بلا هوادة.