قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن اغتيال الصحفيين بقناة الجزيرة أنس الشريف – ومحمد قريقع والمصورين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل, والصحفي محمد الخالدي بقصف مباشر العاشر من أغسطس/آب 2025 – أمام مستشفى الشفاء في مدينة غزة، في مجزرة جديدة على خيمة مخصصة للصحفيين، هو حلقة إضافية في مسعى منهجي لإبقاء الإبادة الجماعية بعيدا عن أعين العالم؛ هذه الجريمة، التي ارتُكبت بدم بارد، ليست حادثًا عرضيًا أو خطأ عسكريًا، بل هي جزء من سياسة ممنهجة لاستهداف الصحافة ومنعها من كشف أهوال الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأضافت المنظمة أنه ومنذ اليوم الأول للإبادة، عمل الاحتلال الإسرائيلي على جعل غزة منطقة مغلقة أمام التغطية المستقلة، عبر منع دخول الصحفيين الأجانب، واستهداف المراسلين المحليين، وتدمير مقار إعلامية، وملاحقة كل من يحمل كاميرا أو يسجل شهادة. ويمثل اغتيال أنس الشريف استمرارًا لهذه السياسة الإجرامية، التي تسعى إلى ضمان أن تبقى المجازر والتجويع والقصف خارج عدسات الكاميرات وأقلام الصحفيين، لتُنفذ الإبادة في الظل دون شهود.
وذكرت المنظمة أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا في قطاع غزة منذ بدء العدوان 237 صحفيًا، وهو رقم غير مسبوق في أي حرب معاصرة، ويجعل غزة اليوم أخطر منطقة في العالم على الصحفيين، خاصة وأن هؤلاء الصحفيين لم يُقتلوا بالصدفة، بل سقطوا ضمن سياسة استهداف واضحة المعالم، تستخدم الاغتيال والقصف والقنص كسلاح لإسكات كل صوت يفضح جرائم الإبادة.
ولفتت المنظمة إلى أن الاحتلال لا يستهدف إخفاء الحقائق فحسب، بل يسعى إلى طمس الصورة الحقيقية للأحداث وحجبها عن العالم، في محاولة لاحتواء موجة الغضب الشعبي العالمي التي أشعلتها مشاهد الإبادة المروعة في غزة. وتأتي جريمة قتل الصحفيين في إطار أوسع من الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين، حيث تُستخدم المجاعة كسلاح، وتتحول مراكز توزيع المساعدات إلى مصائد قتل، ويُستهدف الأطباء والمسعفون، وتُقصف المدارس والمستشفيات والملاجئ، ويقنص الأطفال والنساء، وفي قلب هذا المشهد الدموي، يصبح استهداف الصحافة وسيلة مزدوجة: إقصاء الشهود الذين ينقلون الحقيقة، ومنع وصول الصورة التي تحرك الضمير العالمي وتدفع نحو محاسبة مرتكبي الإبادة على المستوى الشعبي.
وبيّنت المنظمة أنّ ما يحدث في غزة يفضح زيف الشعارات البراقة للمجتمع الدولي والقرارات الرنانة الصادرة عن مؤسساته الكبرى، وعلى رأسها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ تنهار هذه المظاهر أمام واقع دموي يفرضه احتلال مارق يتصرف بلا رادع مثبتا كل يوم أنه فوق المساءلة. فكل ما تعلنه المؤتمرات الدولية من مواقف ووعود يتبدد أمام آلة قتل ماضية في تنفيذ إبادة جماعية علنية بأبشع الوسائل، متحدية الإجماع الدولي ومتجاهلة تمامًا ما يصدر عن مختلف الدول من إدانات أو تحذيرات، في مشهد يلخص عجز المنظومة الدولية وتواطؤها بالصمت.
وأشارت المنظمة إلى أن جريمة القتل الجماعي للصحفيين داخل خيمتهم، يكشف بوضوح هذا العجز ويفضح شلل المؤسسات الدولية أمام جرائم الاحتلال، إذ تتوالى الإدانات الأممية والدعوات لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، بينما يواصل الاحتلال الإبادة دون اكتراث، مستندًا إلى إفلات كامل من العقاب ودعم سياسي وعسكري ومالي من قوى نافذة، فالمجتمع الدولي، بصمته وتراخيه، لا يقف موقف المتفرج فحسب، بل يشارك بصورة غير مباشرة في تمكين الاحتلال من المضي في جرائمه، وبخاصة تلك الدول التي تزوده بالسلاح، أو تقلص من عزلته الاقتصادية والدبلوماسية، أو تحميه من المساءلة في المحافل الدولية، أو تواصل شراكاتها الأمنية والعسكرية معه.
وحثّت المنظمة الصحفيين والإعلاميين والكتّاب والمؤسسات الإعلامية حول العالم على مواصلة الطريق الذي سلكه أنس الشريف ورفاقه، وحمل قضيتهم، وإيصال الحقيقة التي ضحّوا بحياتهم من أجلها، لتصل إلى كل ضمير حي. وأكدت أن الاحتلال يجب أن يدرك أن باغتياله للصحفيين لم يقتل الحقيقة، بل أطلق شرارة مضاعفة لإيصالها، وأن هذه الجريمة سيكون أثرها معاكسًا تمامًا لما أراده، إذ ستزيد الإصرار على كشف جرائمه، وفضح الإبادة التي يحاول حجبها عن أعين العالم.
إن جرائم قتل الصحفيين المتتالية في غزة لن تحمي سمعة الاحتلال، فعلي الرغم من محاولاته الدموية المستميتة لطمس الأدلة وإسكات الشهود، يتنامى الوعي الشعبي العالمي بجرائمه، ويستعصي هذا الوعي على القمع. فالحراك الشعبي الرافض للإبادة يتواصل في كل أنحاء العالم، ورغم محاولات حكومات متواطئة لإخماده وتشويه روايته، فإن الكلمة والصورة ستبقيان سلاحًا في وجه القمع، وأصوات الشهود ستظل أقوى من رصاص الاحتلال.