طالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، في رسالة وجّهتها إلى قضاة محكمة العدل الدولية، بعزل القاضية الأوغندية جوليا سبتندي، نائبة رئيس المحكمة، استنادًا إلى المادتين 2 و18 من نظام المحكمة، بعد أن كشفت عن انحيازها العقائدي لإسرائيل في ظل الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشارت المنظمة إلى أنّ أهم المبادئ التي يجب أن يلتزم بها القاضي الدولي وفق نص المادة الثانية من نظام المحكمة لتحقيق العدالة هي النزاهة والحياد والاستقلال، وإذا فقد واحدًا من هذه الشروط وجب أن يُعزل بموافقة قضاة المحكمة وفق نص المادة 18 من ذات النظام.
وأضافت المنظمة أنّ القاضية الأوغندية لم تفقد حيادها ونزاهتها فحسب، بل عبّرت عن أفكار دينية مسيانية تشجّع الاحتلال على الاستمرار في جريمة الإبادة الجماعية، التي راح ضحيتها حتى الآن عشرات الآلاف من الضحايا، غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ.
وأوضحت المنظمة أنّه في 10 أغسطس 2025، وأثناء خطاب لها في إحدى الكنائس في أوغندا، كشفت القاضية صراحة عن دعمها الديني التام لما تقوم به دولة الاحتلال، فقد قالت في خطابها: “إن الرب يعتمد عليّ في الوقوف إلى جانب إسرائيل… علامات نهاية الزمان تظهر في الشرق الأوسط وأريد أن أكون في الجانب الصحيح من التاريخ… أنا مقتنعة بأن الوقت ينفد، وأشجعكم على متابعة التطورات في إسرائيل، أشعر بالتواضع لأن الله سمح لي بأن أكون جزءًا من الأيام الأخيرة.”
وبيّنت المنظمة أنّ هذه التصريحات لم تكن مفاجئة؛ فحين أصدرت المحكمة أوامرها بالتدابير الاحترازية في قضية الإبادة الجماعية في غزة، ثم أصدرت لاحقًا الرأي الاستشاري في 19 يوليو 2024 حول ماهية الاحتلال وطبيعته، كانت القاضية سبتندي الوحيدة التي عارضت جميع التدابير، بما في ذلك إدخال المساعدات الإنسانية. كما أنّ رأيها المطوّل المعارض للرأي الاستشاري كشف بوضوح عن عقيدتها الدينية ودعمها المطلق للاحتلال، فقد أنكرت وفق رؤية توراتية وجود فلسطين والفلسطينيين.
فمن يطّلع على رأيها المعارض للرأي الاستشاري الصادر حول طبيعة الاحتلال يجد أنّ القاضية عبّرت عن معتقداتها الدينية المسيانية، فمعظمه ارتكز على روايات توراتية وقصص تعطي لإسرائيل حقوقًا وهمية وتضفي شرعية على الجرائم المروّعة التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين وتشجع على الاستمرار في الإبادة، في تناقض صارخ مع نصوص القانون الدولي الذي يفترض أن المحكمة ترتكز عليه في قراراتها وآرائها.
والمثير أنّ بحثا للبروفسور نورمان فلنكستاين كًُشف عنه في فبراير 2025، سيصدر في كتاب بعنوان Gaza’s Gravediggers سيصدر في نوفمبر 2025، حلّل ما كتبته القاضية في رأيها المعارضً وبين أنّ نحو 32.2% من النصوص التي أوردتها في رأيها المعارض كانت مسروقه كما كُشف أن سبتندي نقلت نصوصا من ويكيبيديا وبي بي سي ومصادر أخرى دون أي إشارة إلى المصدر، في انتهاك فاضح لمبدأ الأمانة العلمية التي تحكم الباحثين بشكل عام والقضاة بشكل خاص.
إنّ محكمة العدل الدولية، باعتبارها أعلى سلطة قضائية في العالم، تنظر في قضايا بالغة الحساسية وتتمتع بسمعة تقوم على فضّ المنازعات على أسس قانونية بحتة بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو اعتبارات دينية. لذلك فإنّ عليها أن تتخذ إجراءً حاسمًا بعزل هذه القاضية، إذ إنّ تجاهل سلوكها وتصريحاتها من شأنه تقويض عمل المحكمة وتدمير سمعتها.
وعلى الرغم من أنّ قرارات المحكمة وآرائها الاستشارية على مدى العقود الماضية التي أكدت حقوق الشعب الفلسطيني لم تجد طريقها إلى التطبيق، شأنها شأن بقية قرارات الأمم المتحدة، إلا أنّها تبقى ذات رمزية وأهمية في تأصيل قواعد القانون الدولي، وهو ما يوجب حماية المحكمة وتحصينها.
إنّ ما كشفت عنه القاضية سبتندي من معتقدات دينية لا يختلف عن تصريحات قادة الاحتلال، وفي مقدمتهم نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، الذين ضخوا طوال أكثر من 22 شهرًا من القتل والتدمير والتجويع والتهجير كثيرًا من القصص التوراتية والتلمودية لتبرير الجرائم وتشجيع الجيش على إنجاز مهمته في إطار مشروع «إسرائيل الكبرى» الذي عبّر عنه نتنياهو مؤخرًا.
وناشدت المنظمة كافة الدول والباحثين والمفكرين والقانونيين والمحامين ممارسة الضغط على قضاة المحكمة من أجل عزل هذه القاضية، حفاظًا على نزاهة وحياد واستقلال المحكمة، خاصة في ظل ما تكشّف من حقائق تؤكد أنّ إسرائيل تعتبر نفسها كيانًا فوق القانون، بفضل الدعم الغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.