يواصل الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ سياسات الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة، مستخدماً القتل المباشر والقصف العشوائي والحصار والتجويع والتهجير القسري كسلاح متكامل لإبادة السكان، في ظل صمت دولي يفاقم حجم المأساة.
وفي هذا الإطار؛ حذّر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة “أونروا”، من أن أطفال غزة “محكوم عليهم بالموت” إذا لم تصل المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، مؤكداً أنّ مستويات الجوع في القطاع بلغت مراحل كارثية، خصوصاً في شمال غزة حيث لا يزال يقيم نحو مليون فلسطيني.
وأوضح أنّ المراكز الصحية التابعة للوكالة سجّلت منذ آذار/مارس زيادة بمعدل ستة أضعاف في عدد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد، مضيفاً أنّ الفلسطينيين في غزة “يموتون جوعاً بالفعل، والمزيد قادم بلا شك”.
وفي الوقت ذاته؛ أعلنت الأمم المتحدة أنّ عدد النازحين الفلسطينيين في القطاع تجاوز 796 ألف شخص منذ منتصف آذار/مارس الماضي، نتيجة للهجمات العسكرية المتواصلة.
وأشارت إلى تسجيل نحو 17 ألف حالة نزوح جديدة خلال أسبوع واحد فقط في أغسطس/آب الجاري، معظمها من مدينة غزة التي تشهد عمليات عسكرية واسعة تتخللها نسف منازل بواسطة روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وتهجير قسري.
ويأتي هذا النزوح الجماعي في إطار خطة أقرتها حكومة الاحتلال لإعادة احتلال القطاع بالكامل تدريجياً، بدءاً من مدينة غزة. وسبق أن أُعلن أن 88% من مساحة غزة باتت خاضعة لأوامر إخلاء عسكرية، وهو ما يعني عملياً تهجيراً قسرياً لغالبية السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
إن ما يتعرض له سكان غزة لا يندرج ضمن الأعمال الحربية التقليدية فحسب، بل يتجاوزها إلى مستوى الإبادة الجماعية المنصوص عليها في القانون الدولي. فاستهداف الأطفال بالتجويع، والحرمان الممنهج من الغذاء والدواء، وسياسات التهجير القسري الواسع، كلها أفعال تقع ضمن تعريف الإبادة في اتفاقية عام 1948، التي تجرّم “إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأفراد الجماعة بقصد تدميرها كلياً أو جزئياً”.
ويعكس استخدام الحصار والتجويع كأسلحة حرب استهدافاً متعمداً للمدنيين، ما يجعله جريمة مضاعفة ضد الإنسانية، ويؤكد أن الاحتلال يسعى لا إلى السيطرة العسكرية فحسب، بل إلى إفراغ القطاع من سكانه.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أسفرت الإبادة عن مقتل 62,192 فلسطينياً وإصابة 157,114 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود تحت الأنقاض، ومئات آلاف النازحين الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية. كما أدت المجاعة المفروضة قسراً إلى وفاة 271 شخصاً، بينهم 112 طفلاً.
إن استمرار هذه السياسات دون رادع يضع المجتمع الدولي أمام اختبار تاريخي، حيث يصبح الصمت مشاركة غير مباشرة في الجريمة، والتخاذل عن اتخاذ إجراءات عملية تقاعساً في مواجهة واحدة من أبشع صور الإبادة الجماعية في العصر الحديث.