تشهد أحياء مدينة غزة، وعلى رأسها حي الزيتون وبلدة جباليا، واحدة من أكثر موجات التدمير والتهجير قسوة منذ بدء العدوان.
وتتكشف يوماً بعد يوم صورة أوضح لسياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها الاحتلال، في إطار خطة معلنة لإعادة احتلال ما تبقى من القطاع، دون اكتراث بالكلفة الإنسانية الكارثية التي ترتقي إلى جريمة إبادة جماعية.
وفي هذا السياق؛ أكد الدفاع المدني في غزة أن أكثر من 1500 منزل سكني تعرضت للتدمير الكامل في حي الزيتون، جنوبي شرقي مدينة غزة، منذ مطلع أغسطس/آب الجاري.
وأوضح أن جنوب الحي “سُوي بالأرض تماماً” ولم يعد فيه أي مبنى قائم، فيما نزح نحو 80% من السكان إلى مناطق غرب المدينة أو شمالها، وسط ظروف قاسية.
ولفت الدفاع المدني إلى أن الاحتلال يعتمد في هجومه على مزيج من الحفارات والآليات الثقيلة والروبوتات المفخخة، بمعدل يقارب 7 عمليات تفجير يومياً، إضافة إلى طائرات مسيّرة من نوع “كواد كابتر” تُلقي متفجرات على أسطح المنازل، ما ضاعف من حجم الدمار.
وفي شمال القطاع؛ تعيش بلدتا جباليا وجباليا النزلة وضعاً مماثلاً؛ حيث يواصل الاحتلال قصفهما المدفعي والجوي وإدخال الروبوتات المفخخة، في ظل غياب أي تقدم بري يُذكر.
ويصف الدفاع المدني الأوضاع هناك بأنها “كارثية” مع انهيار منظومة الاستجابة الطارئة، ونقص حاد في الخدمات الصحية والإغاثية، وانعدام أي ملاجئ أو أماكن آمنة للمدنيين.
ويؤكد ناشطون محليون أن مزاعم الاحتلال بوجود “مناطق فارغة” أو “مناطق آمنة” للنازحين مجرد أكذوبة، متسائلين: كيف يمكن الحديث عن أماكن آمنة بعد قصف المستشفيات والمخيمات المكتظة بالمدنيين، في وقت تخضع فيه رفح الجنوبية بالكامل لسيطرة الاحتلال.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ينفذ الاحتلال بدعم سياسي وعسكري مباشر من الولايات المتحدة عمليات قتل وتجويع وتهجير وتدمير، تمثل أركاناً مكتملة لجريمة الإبادة الجماعية بحق سكان غزة، في تحدٍ سافر للنداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان.
وقد أسفر العدوان حتى الآن عن مقتل 62 ألفاً و895 فلسطينياً، وإصابة 158 ألفاً و629 آخرين بجروح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، فضلاً عن أكثر من 9 آلاف مفقود تحت الأنقاض، ومئات آلاف النازحين. كما أودت المجاعة بحياة 313 شخصاً، بينهم 119 طفلاً، في نتيجة مباشرة لسياسة الحصار والتجويع المتعمدة.
ويضع القانون الدولي الإنساني خطوطاً حمراء واضحة: استهداف المدنيين، وتدمير الممتلكات على نطاق واسع دون ضرورة عسكرية، وفرض الحصار والتجويع كأسلوب حرب، والتهجير القسري الجماعي؛ جميعها جرائم جسيمة تدخل في تعريف الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وما يجري في غزة ليس مجرد “تجاوزات” أو “انتهاكات”، بل سياسة متعمدة تتبناها منظومة الاحتلال لإفراغ الأرض من سكانها.
إن استمرار هذه السياسات وسط صمت دولي وتواطؤ معلن من قوى كبرى، يعني أن المجتمع الدولي يشارك ضمنياً في تكريس جريمة العصر: إبادة جماعية لشعب أعزل محاصر، يُقتل أطفاله ونساؤه تحت الركام والجوع، فيما يُمنع عنهم الملاذ الآمن والحق في الحياة.