لم يعد الحصار المفروض على قطاع غزة يقتل فقط بالصواريخ أو تحت الركام، بل باتت سياسات التجويع الممنهج تحصد الأرواح ببطء وصمت، وتحوّل أجساد المرضى إلى ساحة لمعركة غير متكافئة ضد المرض والجوع معًا.
وفي هذا الإطار؛ أعلنت وزارة الصحة في غزة، الخميس، وفاة 8 مصابين بمتلازمة “غيلان باريه” النادرة، جراء انعدام الدواء وسوء التغذية الناتج عن سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال.
وتشكل هذه الوفيات 10.6% من مجموع الحالات المسجلة للمتلازمة في القطاع، فيما يواجه العشرات خطر الموت مع حاجتهم الماسة إلى أجهزة تنفس صناعي تبقيهم على قيد الحياة.
ووفق وزارة الصحة؛ فإن تلوث المياه، انعدام الغذاء، وسوء التغذية الحاد، إلى جانب غياب العلاجات الأساسية مثل الغلوبولين المناعي والفصادة البلازمية، ساهم في تفاقم المرض وتحويله إلى حكم إعدام بطيء للمرضى.
ويتزامن هذا مع استمرار جريمة التجويع بحق سكان غزة، حيث حوّل الاحتلال القطاع إلى بيئة مثالية للأمراض النادرة والفتاكة، بعد أن حرم الأطفال والنساء من الغذاء الكافي، وأجبر المستشفيات على العمل بقدرات شبه معدومة. فالماء الملوث، والطعام النادر، والأدوية الغائبة، كلها أدوات قتل غير مرئية تسبق القصف العسكري، وتحصد الأرواح في صمت.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، يغلق الاحتلال جميع المعابر المؤدية إلى غزة، مانعًا دخول المساعدات الإنسانية، ومكتفيًا بالسماح بدخول كميات شحيحة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات السكان. فقد دخل إلى القطاع 2654 شاحنة فقط خلال شهر واحد، من أصل 18 ألفًا كان ينبغي أن تصل، ما وضع أكثر من مليوني إنسان أمام مجاعة معلنة، وقتل جراء الجوع حتى الآن 313 فلسطينيًا، بينهم 119 طفلًا.
ويعتبر استخدام التجويع كسلاح حرب من أبشع الجرائم التي يحظرها القانون الدولي الإنساني بشكل صريح، ويصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية متى ما ارتُكب بنية تدمير جماعة سكانية.
إن ما يقوم به الاحتلال في غزة من منع الغذاء والدواء والماء النظيف، في ظل التدمير الشامل للمساكن والمرافق الصحية، لا يترك أي شك في أن الغاية ليست مجرد الضغط السياسي، بل الإبادة التدريجية لشعب بأكمله.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش الفلسطينيون في غزة تحت عدوان شامل تخللته عمليات قصف وتدمير وقتل وتهجير وتجويع. وقد أسفرت هذه الجرائم عن مقتل 62 ألفًا و895 فلسطينيًا، وإصابة 158 ألفًا و927 آخرين، فضلًا عن آلاف المفقودين والنازحين، في أرقام تكشف عن مأساة كبرى، لكنها لا تختزل حقيقة الإبادة التي تتواصل بلا توقف، وسط صمت دولي وتواطؤ واضح من القوى الكبرى.