في سابقة خطيرة تمسّ جوهر العدالة وضمانات المحاكمة العادلة، قضت محكمة جنح الشروق في مصر بسجن الخبير الاقتصادي البارز الدكتور عبد الخالق فاروق خمس سنوات، من دون تمكين هيئة الدفاع من الاطلاع على ملف القضية أو تقديم مرافعتها، في خطوة أثارت صدمة واسعة في الأوساط الحقوقية والقانونية، واعتُبرت انتهاكاً صارخاً لأبسط معايير العدالة الإجرائية.
وجاء الحكم الصادر في القضية رقم 4527 لسنة 2025 جنح الشروق، والمتصلة بالقضية 4937 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، بناءً على اتهامات مزعومة تتعلق بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، في سياق مقالات ودراسات نقدية كتبها فاروق تناولت السياسات الاقتصادية الرسمية وتحليل أداء النظام المصري.
وبحسب محامي الدفاع؛ صدر الحكم “من دون استكمال الإجراءات الجوهرية”، حيث رفضت المحكمة طلب الدفاع بالاطلاع على أوراق القضية، وأصرت على الاستماع إلى مرافعة النيابة العامة فقط، قبل أن تغلق الجلسة دون تمكين الدفاع من الرد أو تقديم دفوعه، وهو ما يجعل الحكم، قانونياً وحقوقياً، باطلاً من حيث الشكل والإجراء.
ويشكل هذا النمط من التقاضي السريع في قضايا الرأي والتعبير، وفق المعايير الدولية، خرقاً لمبادئ العدالة الطبيعية التي تضمن للمتهم حق الدفاع العادل والمرافعة الشفوية والكتابية أمام قاضٍ مستقل ومحايد. كما يتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه مصر، والذي يؤكد أن “كل متهم بجريمة له الحق في أن يُمنح الوقت والتسهيلات الكافية لإعداد دفاعه والاتصال بمحامٍ يختاره بنفسه”.
وتكتسب القضية خطورتها من كونها تستهدف خبيراً اقتصادياً وأكاديمياً معروفاً بكتاباته البحثية، وليس ناشطاً سياسياً، ما يوسع نطاق الملاحقة ليشمل المجال الفكري والعلمي ذاته، ويعزز مؤشرات تجريم الرأي النقدي والتحليل الأكاديمي المستقل.
إضافة إلى البعد الحقوقي؛ يكشف الحكم عن أزمة عميقة في استقلال القضاء وضماناته، إذ جرى إصدار القرار في جلسة لم تُعلن نتائجها علناً، وغادر القاضي قاعة المداولة دون النطق بالحكم أو إخطار الدفاع، في مخالفة واضحة لقواعد العلنية والشفافية التي تُعد ركناً أساسياً في أي محاكمة عادلة.
ويعاني الدكتور فاروق، البالغ من العمر 67 عاماً، من أمراض قلبية مزمنة، وقد أشار محاموه إلى سوء أوضاع احتجازه في سجن العاشر من رمضان، وحرمانه من العلاج المناسب والتريض، ما يثير مخاوف جدية من تعريض حياته للخطر، وهو ما يمكن أن يشكل، من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، معاملة قاسية أو لاإنسانية.
وتمثل هذه القضية امتداداً لمناخ عام من تقييد حرية التعبير في مصر، حيث تتعرض الأصوات المستقلة، ولا سيما الأكاديمية والاقتصادية، لملاحقات قضائية متكررة تحت ذرائع “الأمن القومي” و”نشر الشائعات”.
وبهذا الحكم؛ تكون السلطات المصرية قد أرسلت رسالة واضحة مفادها أن النقد العلمي للسياسات العامة قد أصبح فعلاً مجرّماً، وأن أدوات العدالة تُستخدم لتكميم الأفواه بدلاً من صون الحقوق، في وقت تتزايد فيه الدعوات المحلية والدولية إلى احترام حرية الفكر والتعبير وضمان استقلال القضاء.
إن ما جرى في قضية الدكتور عبد الخالق فاروق لا يمكن اعتباره إجراءً قانونياً عادلاً، بل حلقة جديدة في مسلسل من الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف تكميم الرأي المختلف، وتقويض فضاء البحث العلمي الحر، في انتهاك واضح لدستور البلاد والتزاماتها الدولية، ولجوهر العدالة ذاته.