يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم مروّعة في قطاع غزة، في إطار عدوان متصاعد تتكشف ملامحه يوما بعد يوم كسياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير مقومات الحياة في القطاع، واستهداف كل ما يمثل البنية المدنية والتعليمية والثقافية للشعب الفلسطيني.
وفي أحدث فصول هذا العدوان الهمجي؛ دمّر الاحتلال بشكل كامل جامعة الأزهر في مدينة غزة، إحدى أكبر وأقدم الجامعات الفلسطينية، بعد قصف عنيف استهدف مبانيها الرئيسية، ما أدى إلى تسويتها بالأرض وتحويلها إلى ركام.
ويُعد هذا الاستهداف المباشر للمؤسسات الأكاديمية جريمة خطيرة تمسّ جوهر الحق في التعليم والحياة الثقافية، وتشكل انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يفرض حماية خاصة للمؤسسات المدنية والأكاديمية أثناء النزاعات المسلحة.
وتزامن القصف الذي طال الجامعة مع هجمات متواصلة على مختلف مناطق قطاع غزة؛ أسفرت عن وقوع عدد من القتلى والمصابين، وتدمير واسع في الممتلكات. فقد استهدفت طائرات الاحتلال خيام النازحين شمال خان يونس، ومدفعياته أطلقت قذائفها باتجاه تجمعات لمواطنين كانوا بانتظار المساعدات شرق وادي غزة، فيما تعرّضت أحياء الصبرة والجلاء والثلاثيني في مدينة غزة لغارات متتالية دمّرت بنايات سكنية ومنازل مجاورة.
ويأتي هذا الاستهداف المنهجي للمدنيين والبنى التحتية في سياق واضح من سياسة العقاب الجماعي، التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق سكان القطاع المحاصر منذ أكثر من 18 عامًا. فالقصف لا يفرّق بين مدني ومقاتل، ولا بين منشأة تعليمية أو طبية أو سكنية، ما يعكس نية متعمدة لإفناء المجتمع المدني الفلسطيني وتجريده من مقومات الحياة، وهي نية ترتقي إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية كما يعرّفها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية منع الإبادة لعام 1948.
إن تدمير جامعة الأزهر لا يمثل فقط خسارة مادية أو تعليمية، بل هو استهداف رمزي لهوية المجتمع الفلسطيني وثقافته وحقه في الوجود والتطور، إذ إن الجامعات، وفق القانون الدولي، تعد من “الأعيان المدنية المحمية”، واستهدافها المتكرر من قبل الاحتلال يكشف عن ازدراء كامل لقواعد الحرب ومواثيق الأمم المتحدة.
العدوان الجاري على غزة لم يعد مجرد “رد عسكري” كما يدّعي الاحتلال، بل هو حملة إبادة متكاملة الأركان، تتجلى في قتل المدنيين، وتدمير المؤسسات، وتجويع السكان، ومنع الإغاثة، واستهداف التعليم، وهي جميعها أركان محددة لجريمة الإبادة الجماعية.
ومع استمرار صمت المجتمع الدولي، تتسع دائرة الجريمة ويترسخ الإفلات من العقاب، بينما تُمحى أمام العالم ملامح مدينة كاملة، كان آخر معالمها اليوم جامعة الأزهر، التي كانت صرحًا للعلم، وصارت شاهدًا على جريمة موثقة ضد الإنسانية.