منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، شكّل الصحفيون الفلسطينيون خطّ الدفاع الأول عن الحقيقة، لكنهم كانوا أيضاً من أبرز ضحايا آلة القتل الإسرائيلية. فقد جرى استهدافهم على نحو مباشر ومتعمد في محاولة لإسكات الصوت الفلسطيني وكتم الرواية التي تكشف أهوال الإبادة.
وخلال عامين من الحرب؛ قتل الاحتلال 254 صحفياً، بينهم 34 صحفية، في واحدة من أبشع حملات القتل الممنهجة ضد الإعلاميين في التاريخ الحديث.
وكان عام 2023 الأكثر قسوة، إذ قُتل خلاله 102 صحفي وناشط إعلامي، وتلاه عام 2024 الذي سقط فيه 91 صحفياً، فيما ارتفع العدد منذ مطلع عام 2025 وحتى بداية تشرين الأول/ أكتوبر إلى 59 قتيلاً. وكثير من هؤلاء قُتلوا مع عائلاتهم داخل منازلهم أو في أماكن نزوحهم المؤقتة، بما في ذلك الخيام ومراكز الإيواء قرب المستشفيات.
ولم يقتصر العدوان على القتل المباشر، بل شمل اعتقال 153 صحفياً منذ بدء الحرب، من بينهم 48 عام 2023، و69 في العام التالي، و36 منذ مطلع هذا العام. كما أُصيب 255 صحفياً بجروح متفاوتة، بعضها خطيرة أدت إلى إعاقات دائمة وبتر أطراف، بينهم 63 إصابة عام 2023، و86 في 2024، و54 في 2025.
إلى جانب ذلك؛ تم تدمير أكثر من 150 مكتباً ومؤسسة إعلامية منذ عام 2023، بينها 90 مؤسسة في العام الأول للعدوان، و30 في 2024، و20 مكتباً هذا العام، في إطار حملة تهدف إلى محو البنية التحتية للإعلام الفلسطيني ومنع نقل الحقيقة من الميدان.
كما امتدت الحرب ضد الصحفيين إلى الفضاء الرقمي، حيث تصاعدت حملات التحريض وحجب المحتوى الفلسطيني على منصات كـ فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب وإكس وتيك توك، بالتوازي مع تهديدات إلكترونية واستهداف ممنهج للحسابات الصحفية عبر التنسيق مع سلطات الاحتلال.
إن ما يجري بحق الصحفيين الفلسطينيين يدخل في إطار الجرائم الدولية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يجرّم استهداف المدنيين والمؤسسات الإعلامية أثناء النزاعات، كما يمكن تصنيف القتل الممنهج للصحفيين ضمن أفعال الإبادة الجماعية الجزئية الموجهة ضد فئة محددة لطمس الوعي الجمعي الفلسطيني ومنع توثيق الجرائم ضد الإنسانية.
ورغم جسامة الانتهاكات وتكرارها الموثق بالأسماء والصور؛ ما يزال الصمت الدولي يخيّم على المشهد، في خرق واضح لمسؤولية المجتمع الدولي القانونية والأخلاقية في حماية الصحفيين وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم بحقهم.