قررت السلطات المصرية، اليوم الخميس، الإبقاء على 155 شاباً رهن الحبس الاحتياطي على خلفية مشاركتهم في تظاهرات 20 تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي خرجت في عدد من المحافظات المصرية دعماً لقطاع غزة، فيما أفرجت عن 18 فقط من المعتقلين في القضايا ذاتها.
وجاءت قرارات تجديد الحبس بشكل روتيني وإجرائي، رغم توقف التحقيقات منذ أكثر من عشرة أشهر، فيما يُعد مثالاً واضحاً على الاحتجاز التعسفي واستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة بحد ذاته، لا كإجراء تحفظي مؤقت كما يقتضيه القانون.
وبحسب محامين وأسر المعتقلين؛ فإن القضايا موزعة على نحو 27 ملفاً منفصلاً، وتشمل عشرين محافظة على الأقل، ما يشير إلى طابع واسع ومنهجي في التعامل الأمني مع التظاهرات السلمية التي خرجت تضامناً مع الفلسطينيين في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة.
وتشير المعطيات إلى أن غالبية المعتقلين من طلاب الجامعات، وقد حُرموا على مدى عام كامل من مواصلة تعليمهم أو اجتياز امتحاناتهم، مما يهدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني، ويضاعف الأثر الإنساني والاجتماعي للاحتجاز المطوّل دون سند قانوني كافٍ.
ويُتهم المحتجزون، بموجب قرارات نيابة أمن الدولة العليا، بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية، والتحريض على التظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة في تجمهر غير قانوني، وارتكاب أعمال تخريب”، غير أن هذه الاتهامات شُكلت بصيغ عامة وفضفاضة، ولم تُقدَّم بشأنها أدلة محددة، كما لم تُباشر أي إجراءات تحقيق فعلية منذ أشهر، ما يجعل استمرار الحبس مخالفاً لمبدأ قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة.
ومن الناحية القانونية؛ فإن الحبس الاحتياطي في القوانين المصرية استثناء لا أصل، ويُفترض أن يُستخدم فقط في حالات الضرورة القصوى ولأمد محدود. لكن الممارسة الواقعية في مثل هذه القضايا تُظهر انحرافاً ممنهجاً عن روح القانون وتحويل هذا الإجراء إلى وسيلة للعقاب السياسي وإسكات الأصوات، لا لحماية سير العدالة.
ويُبرز استمرار احتجاز هؤلاء الشباب لأكثر من عام، دون إحالة إلى المحاكمة أو الإفراج الشرطي، عمق الأزمة الحقوقية في مصر، وتآكل الضمانات القانونية المكفولة للمواطنين في الدستور، الذي ينص صراحة على حق التظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي.
إن الإبقاء على عشرات الشباب رهن الحبس لمجرد تعبيرهم عن تضامنهم مع غزة، يفضح المفارقة المؤلمة بين خطاب الدولة الرسمي الداعم للقضية الفلسطينية، وممارساتها الداخلية التي تُجرّم أي تعبير شعبي حر عن هذا الدعم، في مشهد يختزل بوضوح واقع الانغلاق السياسي وتقييد المجال العام في مصر المعاصرة.