تشهد مدن وبلدات الضفة الغربية تصاعداً غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين، التي باتت تُمارس على نحوٍ شبه يومي ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، في ظل تواطؤ قوات الاحتلال وحمايتها المباشرة لهذه المجموعات المسلحة.
وتكشف الأحداث الأخيرة عن ملامح سياسة منظمة لإرهاب السكان المدنيين ودفعهم إلى ترك أراضيهم قسراً، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
وفجر اليوم الاثنين؛ هاجم مستوطنون منازل المواطنين في قرية أم صفا شمال غرب رام الله، حيث ألقوا الحجارة على المنازل وخربوا ألواح الطاقة الشمسية وخزانات المياه، ما ألحق أضراراً جسيمة بممتلكات المدنيين.
وبعد ساعات من التصدي لهم من قبل الأهالي، عاود المستوطنون الهجوم على منازل أخرى، في مشهد يؤكد غياب أي رادع أو مساءلة.
وفي قرية برقا شرق رام الله؛ أقدم مستوطنون على قطع عدد من أشجار الزيتون في منطقة “المرج”، وهي جريمة تتكرر كل موسم قطف زيتون، وتشكل ضرباً لمصدر رزق المزارعين الفلسطينيين الذين يعتمدون على هذا الموسم في معيشتهم.
وفي مدينة نابلس؛ اقتحم عشرات المستوطنين فجر اليوم ما يُعرف بـ”مقام يوسف” شرق المدينة، تحت حماية قوات الاحتلال، التي أطلقت قنابل الغاز والصوت لتأمين الاقتحام، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين بالاختناق.
وفي الوقت نفسه؛ اعتقلت قوات الاحتلال الشاب هلال أزعر بعد اقتحام منزله، فيما هاجم المستوطنون منازل المواطنين شرق قرية دوما، واعترضوا طريق الطلاب أثناء ذهابهم إلى مدارسهم في مشهد يعكس إرهاباً متعمّداً يستهدف المدنيين والأطفال على حد سواء.
كما هاجم المستوطنون اليوم مزارعين في بلدة عقربا جنوب نابلس أثناء قطف ثمار الزيتون، ومنعوهم بالقوة من الوصول إلى أراضيهم، في انتهاك واضح لحق الفلسطينيين في التملك والعمل والعيش الكريم.
وتشير الإحصاءات إلى أن اعتداءات المستوطنين خلال الأسابيع الأخيرة أسفرت عن إصابة عشرة مواطنين وتدمير عشرات الأشجار، ضمن ما يزيد على 7154 اعتداءاً منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تسببت بمقتل 33 فلسطينياً في الضفة.
وتندرج هذه الاعتداءات ضمن نمط متكرر من الانتهاكات الممنهجة التي يُمارسها المستوطنون تحت إشراف وحماية جيش الاحتلال، ما يجعل الاحتلال مسؤولاً عنها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزمه بحماية السكان الواقعين تحت سلطته الفعلية من أعمال العنف أو الترويع.
غير أن الواقع الميداني يُظهر أن قوات الاحتلال لا تكتفي بالتقاعس عن منع الاعتداءات، بل تشارك فعلياً في تنفيذها أو تغطيتها، من خلال توفير الحماية للمهاجمين، واعتقال المدنيين الذين يدافعون عن أنفسهم.
ومن الناحية القانونية؛ فإن الاعتداءات على المزارعين وقطع الأشجار وتخريب الممتلكات الخاصة تُعد جرائم حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكونها تستهدف المدنيين ومصادر عيشهم ضمن سياسة استعمارية تهدف إلى التهجير القسري.
كما يشكل السماح بإفلات المستوطنين من العقاب انتهاكاً لمبدأ سيادة القانون، ويؤكد الطابع العنصري الممنهج لسياسة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
وتمثل هذه الاعتداءات جزءا من منظومة استيطانية متكاملة تقوم على السيطرة على الأرض، وتدمير مقومات الحياة الفلسطينية، وتطهير المناطق تدريجياً من سكانها الأصليين، ما يعيد إلى الأذهان جوهر جريمة الفصل العنصري (الأبارتهايد) كما يعرّفها القانون الدولي، حيث تتجسد في تخصيص الحماية للمستوطنين، وتجريد السكان الفلسطينيين من الأمان والعدالة والحق في الحياة.
وتشير الوقائع المتكررة إلى أن الاستيطان في الضفة لم يعد ظاهرة موازية للاحتلال، بل صار أداته المركزية في فرض الوقائع على الأرض، وتحويل القرى الفلسطينية إلى جزر محاصرة مهددة يومياً بالهدم أو الطرد أو الاعتداء.
إن استمرار هذه الجرائم في ظل الصمت الدولي يشكل وصمة عار على النظام الدولي المعاصر، ويعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حيث يُترك الفلسطينيون وحيدين في مواجهة آلة استعمارية تدمّر كل ما هو حيّ فوق أرضهم.