عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة بعنوان “جثامين المعتقلين ورسائل التعذيب: ماذا يحدث في السجون الإسرائيلية؟” مساء الإثنين الموافق 20 أكتوبر/تشرين الأول 2025، لتسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك التعذيب الجسدي والنفسي، والعنف الجنسي، والإهمال الطبي، وهي ممارسات لم تتوقف رغم الإعلان عن وقفا إطلاق النار.
كما ناقشت الندوة ظاهرة تسليم جثامين المعتقلين وعليها آثار واضحة للتعذيب والتشويه، إلى جانب سياسة طمس الأدلة المنهجية والإفلات الدائم من العقاب الذي يتيح استمرار هذه الجرائم تحت ذرائع أمنية زائفة.
شارك في الندوة نخبة من الخبراء والشهود المباشرين، هم: الدكتور فرانك رومانو، ناشط دولي في مجال حقوق الإنسان وعضو أسطول الحرية إلى غزة في يوليو 2025 (حنظلة)؛ والبروفيسور دان كوفاليك، أستاذ جامعي أمريكي ومحام في مجال حقوق الإنسان؛ ود. فيليز دير، محامية تركية متخصصة في القانون الدولي الإنساني؛ والسير جيفري نايس، محام بريطاني وقاض سابق؛ والدكتور أحمد المخللاتي، رئيس قسم التجميل في مستشفى الشفاء، والعائد من غزة؛ ولانا أبوغربية، ممرضة فلسطينية أمريكية عائدة من غزة؛ والدكتور مارك بيرلمتر، جرّاح يد أمريكي وناشط في مجال حقوق الإنسان.
سلطت الدكتورة فيليز دير الضوء على الدور الإنساني لتركيا بعد وقف إطلاق النار في غزة، مشيرةً إلى أن الوكالات التركية ومنظمات المجتمع المدني نظمت قوافل مساعدات واسعة النطاق، نقلت أكثر من نصف مليون طن من المساعدات عبر معبر كرم أبو سليم. وأضافت أن إسرائيل استمرت في انتهاك الهدنة، حيث أغلقت معبر رفح، وقتلت العشرات من الفلسطينيين، وأعادت 120 جثة عليها آثار طلقات نارية، وعصبت أعينهم، وهشمت عظامهم، ووصفتها بأنها أدلة على التعذيب والعقاب الجماعي.
وأضافت أن حوالي 2000 شخص أُطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية خلال وقف إطلاق النار، بينما لا يزال 11056 فلسطينيًا محتجزين، منهم حوالي 3500 رهن الاعتقال الإداري دون محاكمة. وأضافت الدكتورة فيليز دير أن وزارة الصحة في غزة أفادت بأن الرفات وُضعت عليها علامات تشير إلى أنها كانت محتجزة في قاعدة سدي تيمان العسكرية في صحراء النقب، وهو موقع تستخدمه قوات الاحتلال كمركز احتجاز وُثّقت فيه حالات سوء معاملة. ووصفت هذه النتائج بأنها دليل على استمرار التعذيب والاختفاء القسري والعقاب الجماعي تحت سيطرة إسرائيل، وكلها تُشكل جزءًا من سياسة طويلة الأمد لعزل غزة والحفاظ على انفصالها عن باقي فلسطين.
وفي تقييمها القانوني، أكدت أن سلوك إسرائيل في غزة يندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، ويُشكل جرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي. وقالت إن فرض ظروف معيشية متعمدة تؤدي إلى التدمير الكلي النفسي والجسدي – من خلال الحرمان من الطعام والماء والمأوى وخدمات الصرف الصحي – يُعادل تدميرًا ماديًا ممنهجًا لشعب، وهو ما يستدعي مساءلة دولية.
الجراح العالمي مارك بيرلماتر تحدث عن شهادات قالها له أطباء وممرضون وفنيو غرف عمليات اختُطفوا أثناء إجرائهم عمليات جراحية للمرضى ونُقلوا إلى سجون إسرائيلية حيث تعرضوا للتعذيب. وقال إن أحد الممرضين أصيب برصاصة في ركبته لرفضه التخلي عن مريض أثناء العملية؛ ثم احتُجز هذا الممرض، وعُصبت عيناه، وحُرم من الرعاية الطبية، في انتهاك مباشر لاتفاقية جنيف، التي تعتبر إسرائيل طرفًا فيها. وأضاف أن الممرض كان يتلقى علبة عصير واحدة يوميًا، وأحيانًا كل يومين، وفقد 45 رطلاً بسبب سياسة التجويع المتعمدة، وأُعيد إلى خان يونس بجرحه دون علاج ومُصاب بالديدان، وقد غُرزت مؤخرة بندقية في عينه اليمنى، فانفجرت؛ فزحف مسافة كيلومترين إلى بر الأمان، وعُثر عليه في النهاية مصابًا بقرح الفراش في مؤخرة أذنيه ورأسه، وأشار إلى أن محاولات إنقاذ ساق الممرضة باءت بالفشل، وبُترت الساق لاحقًا في مصر.
وروى شهادات جراحين أُلقي القبض عليهم من غرف العمليات وسُجنوا بناءً على مزاعم كاذبة بمعرفتهم مواقع مقاتلي حماس. في إحدى الحالات على سبيل المثال، احتُجز جراح لمدة أحد عشر شهرًا، وكان يُضرب كلما طلب التحدث إلى محام، ويُضرب ثلاث مرات أشد إذا سُمح له بالتحدث. قال الدكتور بيرلماتر إن كل طرف إصبع من أصابع ذلك الجراح كان مكسورًا ومسحوقًا؛ وقد رأى صورًا بالأشعة السينية تُظهر كل طرف إصبع بكسور غير ملتئمة. عندما لم يتمكن الجراح من تحديد هوية أي من أعضاء حماس لأنه لم يرَ أي شخص يمكنه التعرف عليه، تصاعد التعذيب الجنسي والنفسي. وتحدث الدكتور بيرلماتر كيف اغتصبت هذا الجراح جنديات من جيش الدفاع الإسرائيلي بإدخال كوسة في الشرج؛ وقال إن الكوسة كانت مغموسة في دم الخنزير. وأضاف بأن المحققين عرضوا على الجراح صورة لزوجته قرب منزلهما، وهددوه باختطافها واغتصابها أمامه؛ كما عرضوا عليه صورةً التقطتها طائرةٌ بدون طيار لنافذة غرفة نوم أطفاله، وهددوه بإرسال طائرة بدون طيار إلى غرفة نوم الأطفال وحرقهم. وأكد الدكتور بيرلماتر أن التعذيب النفسي الناجم عن تلك التهديدات يتجاوز بكثير الإصابات الجسدية.
وقال إنه سار عبر مقابر جماعية، وأجرى مقابلات مع شهود وصفوا إجبارهم على دفن الناس أحياءً. وأفاد بأن العديد من الشهود أخبروه أنهم رأوا طفلين – أحدهما يرتدي قميصًا أحمر فاقعًا والآخر قميصًا أخضر داكنًا – تدفعهما جرافةٌ إلى مقبرة جماعية في مستشفى شهداء الأقصى؛ وسمع الشهود صراخهما بينما كان التراب يُكدس فوقهما، وأفادوا لاحقًا بأنه تم استخراج هياكل عظمية للأطفال أنفسهم وهم لا يزالون يرتدون قمصان النايلون، وأيديهم مقيدةٌ خلف ظهورهم. جادل الدكتور بيرلموتر بأن أي حكومة تغتال الأطفال بشكل انتقائي، وتدفنهم أحياءً، وتعذب الناس جنسيًا، وتهدد بقتل أو اغتصاب أقاربهم، وفي الوقت نفسه تقدم نفسها كطرف في اتفاقية جنيف ونظام روما الأساسي، تُظهر أنها لا حدود لما ستفعله. واختتم حديثه بالقول إن هذا ليس صراعًا بين المسلمين واليهود، بل هو محاولة للاستيلاء على الأرض – “أريد أرضكم لإنشاء إسرائيل الكبرى، وأنا مستعد لقتل أطفالكم للحصول عليها”، كما قال – وبإدانة، على حد تعبيره، الهيئات التشريعية الأمريكية والبريطانية ووصفها بـ”العاهرات” لدعم إسرائيل بالمال والسلاح، الأمر الذي قال إنه يُمكّن من استمرار هذه الإبادة الجماعية. وتوقع أن يكون وقف إطلاق النار مجرد توقف مؤقت، وليس نهاية دائمة للأعمال العدائية، لأن شروطه تركت للجيش الإسرائيلي سلطة تقديرية لتحديد ما إذا كانت الأعمال العدائية قد توقفت.
أحد الأطباء العائدين من غزة، الدكتور أحمد مخللاتي، تحدث كذلك عن الطبيعة المنهجية للانتهاكات التي شهدها تحت الحصار وفي أعقابه، وربطها ببرنامج الإبادة الجماعية والتعذيب الممنهج المستمر. وأفاد بأنه أثناء وجوده في مستشفى الشفاء، سرقت القوات الإسرائيلية أكثر من 250 جثة من ذلك المستشفى، ونفذت عمليات مصادرة مماثلة حول مستشفى ناصر وأماكن أخرى؛ كما نُقلت العديد من مواقع الدفن وجمع الجثث الأخرى دون توثيق، تاركة العائلات دون معلومات عن آلاف المفقودين.
واستذكر حادثة سابقة استلمت فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر شاحنة محملة بالجثث دون أي معلومات تعريفية؛ ورفضت وزارة الصحة في البداية قبولها لعدم وجود بيانات مرفقة بالرفات، لكنها في النهاية استلمتها لأنها جثث فلسطينية، واضطرت إلى دفنها دون أي فرصة للتعرف عليها. وأضاف أن فريقه تمكن خلال وقف إطلاق النار الهش من التعرف على هوية حوالي 30 جثة من أصل أكثر من 150 جثة أُعيدت، مشددًا على محدودية هذا التقدم مقارنةً بحجم الحالات المجهولة.
وأشار الدكتور المخللاتي إلى القيود العملية الشديدة التي تواجه نظامي الصحة والطب الشرعي في غزة. قال إن قدرة وزارة الصحة قد انهارت: فقد جُمِّدت الجثث لأكثر من عام، وأصبح التصوير المقطعي المحوسب شبه مستحيل، وكانت غرف العمليات والقدرات المختبرية غير متوفرة، وكانت خدمات الطب الشرعي تفتقر إلى معدات الحمض النووي والموارد اللازمة لإجراء فحوصات سليمة. وروى حديثه مع رئيس الطب الشرعي، الذي أخبره أن عشرات الجثث أظهرت جروحًا، لكن الفريق لم يتمكن من تحديد ما إذا كانت الأعضاء قد أُزيلت بسبب التجميد ونقص المرافق؛ وكان الخيار الفوري الوحيد هو تصوير الرفات ودفنها. وتحدث كذلك عن وجود آثار تعذيب على أجساد السجناء، وآثار عصابات الأعين التي لا تزال موجودة على الجثث المُعادة، وقال إن العديد من الجثث تحمل علامات واضحة على السحاجات والصدمات، الناتجة عن جروح ناجمة عن طلقات نارية، وإصابات سحق، وأربطة مشدودة بإحكام – وهي أدلة على أن المسؤولين لم يحاولوا إخفاء سوء المعاملة لأنهم لم يتوقعوا أي مساءلة.
وأكد الدكتور المخللاتي أنه على الرغم من أن الأدلة الحالية من غزة لا تصل بعد إلى الحد الأدنى للادعاءات النهائية بشأن سرقة الأعضاء، فإن الجمع بين السوابق التاريخية، وحجم الجثث المعادة التي تحمل هويات السجناء، ونقص القدرات الجنائية في غزة يجعل الحاجة ملحة لجمع وحفظ أي دليل متاح. ودعا إلى تقديم المساعدة لوزارة الصحة في غزة – من خلال أجهزة الحمض النووي، والدعم الجنائي، والضغط الدولي على وسائل الإعلام والجهات المانحة – للمساعدة في تحديد هوية القتلى، وتوثيق الانتهاكات، وضمان أن تتضمن العمليات القانونية المستقبلية أدلة قابلة للاستخدام.
وصف الناشط الحقوقي العالمي د. فرانك رومانو الوضع المتدهور للأسرى الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن معاملتهم تعكس سياسة متعمدة لمعاملتهم كأنهم ليسوا بشر، واستنادًا إلى فترة سجنه القصيرة بعد انضمامه إلى أسطول الحرية لغزة، قال إنه المعتقلين الدوليين يعاملون بطريقة قاسية ومهينة، ومع ذلك فإنها لا تقارن بحجم المعاناة التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون انتهاكات داخل سجون ومراكز اعتقال الاحتلال. وأشار إلى الشهادات الواردة في تقرير منظمة بتسيلم لعام 2024 بعنوان “أهلًا بكم في الجحيم”، والذي فصّل حالات التعذيب والتجويع والاعتداء الجنسي والحرمان من الرعاية الطبية على نطاق واسع ضد الأسرى الفلسطينيين المحتجزين دون محاكمة. كما استشهد رومانو بأدلة طبية من مستشفى ناصر تُظهر أن العديد من الجثث الفلسطينية التي أُفرج عنها مؤخرًا كانت تحمل علامات إعدام – معصوبة العينين ومقيدة ومُصابة بطلقات نارية بين العينين – كما أظهرت كدمات وندوبًا تشير إلى التعذيب قبل الوفاة وبعدها.
ثم حلل الإطار القانوني الإسرائيلي الذي يسمح بمثل هذه الانتهاكات، مع التركيز على تعديلات قانون المقاتلين غير الشرعيين لعام 2002. أوضح رومانو أنه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، استخدمت إسرائيل هذا القانون لاحتجاز آلاف الفلسطينيين لأجل غير مسمى بتصنيفهم “مقاتلين غير شرعيين”، وهي فئة تستثنيهم من الحماية التي توفرها اتفاقيات جنيف، وانتقد القانون لسماحه بتأخيرات لمدة 45 يومًا قبل جلسات المحاكمة وما يصل إلى 75 يومًا دون إمكانية الوصول إلى محام – وهي ظروف تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وترقى إلى مستوى الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.
واختتم د. رومانو حديثه بالقول إن معاملة إسرائيل للأسرى، وإهمالها الطبي، واعتقالاتها الإدارية الجماعية، تنتهك بوضوح القانون الإنساني الدولي. وأكد أن غزة لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل، مما يجعل اتفاقيات جنيف قابلة للتطبيق الكامل. ودعا جميع الدول الأطراف في الاتفاقيات، وعددها 194 دولة، إلى ممارسة التزاماتها القانونية بمقاضاة المسؤولين الإسرائيليين المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
بدأ البروفيسور دان كوفاليك مداخلته بوصف القضية الفلسطينية بأنها “القضية الأخلاقية في عصرنا”، معربًا عن قلقه العميق إزاء الفظائع المستمرة في فلسطين المحتلة، وخاصةً بحق المعتقلين. ورفض مصطلح “الأسرى”، مجادلًا بأن الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية هم في الواقع رهائن، لا يختلفون عن الرهائن الإسرائيليين الذين كانوا محتجزين في غزة، إلا أنهم يُعاملون معاملة أسوأ بكثير، مؤكدًا أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تدهورت معاملة الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بشكل حاد.
وفقًا لكوفاليك، يُستخدم الاغتصاب الآن بشكل منهجي كسلاح ضد الأسرى الفلسطينيين، وأشار إلى مقاطع فيديو تُظهر حراسًا إسرائيليين يغتصبون معتقلين أمام الكاميرا، بما في ذلك حالة الدكتور عدنان البرش، الذي قال إنه “اغتصب حتى الموت” أثناء احتجازه لدى إسرائيل. وأضاف أن هناك تقارير متزايدة عن اغتصاب المعتقلين الفلسطينيين من قبل الجنود والكلاب المدربة.
كما أشار كوفاليك إلى الاعتداء بالضرب المبرح الذي تعرض له القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي مؤخرًا، والذي أدى إلى فقدانه الوعي، قائلاً إن هذا الاعتداء جزء من استراتيجية إسرائيل للقضاء على أي قيادة فلسطينية محتملة. وحذر كذلك من أن الإفلات من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل يشجع على هذه الجرائم، مشيرًا إلى أن حتى الرعايا الأجانب – بمن فيهم أعضاء أسطول الحرية لغزة والنشطاء الغربيون مثل غريتا ثونبرغ – تعرضوا لسوء المعاملة في السجون الإسرائيلية. واستشهد باعتقال الشباب الأمريكيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتجزين دون تهمة، مشيرًا إلى صمت السفارة الأمريكية وفشلها في التدخل. وأدان كوفاليك تقاعس المجتمع الدولي وقال إن القانون الدولي وحده لا يمكن أن يوقف الجرائم المستمرة. وأيد وجهة نظر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الداعية إلى التدخل الإنساني المسلح بموجب قرار الاتحاد من أجل السلام لتجاوز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ووقف الفظائع الإسرائيلية. وخلص إلى أن إسرائيل، بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة، وضعت نفسها فوق القانون الدولي، وأن العمل الدولي الحاسم فقط هو الذي يمكن أن ينهي جرائمها.
في شهادتها المفصلة، روت لانا أبو غربية، الممرضة الفلسطينية الأمريكية، وإحدى ممرضات الطوارئ المعتمدات عالميًا، ما شهدته ووثقته شخصيًا خلال مهماتها في غزة. وأوضحت أنها خدمت هناك لأول مرة بين 24 يناير و24 فبراير 2025، إلى جانب الدكتور أحمد مخللاتي، وأنها كانت الممرضة الأمريكية الوحيدة الحاضرة في 27 فبراير، وهو اليوم الذي أُطلق فيه سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين- التي أكدت أنهم ضحايا التعذيب وليسوا مجرد سجناء – إلى مستشفى غزة الأوروبي.
وأضافت أنه منذ أكتوبر 2023، اختُطف أكثر من 21 ألف فلسطيني واحتُجزوا دون تهمة أو محاكمة، من بينهم حوالي 3000 طفل. ووصفت حديثها مع عشرات الرجال المفرج عنهم في ذلك اليوم، وكان الكثير منهم مصابين بصدمة شديدة تمنعهم من الكلام، يرتجفون ويبكون، أو غير قادرين حتى على رفع رؤوسهم من شدة الإهانة.
شاركت لانا خلال الندوة تفاصيل مؤلمة لقصة أحد أصدقائها المقربين، وهو ممرض فلسطيني، اختُطف في أغسطس 2024 أثناء محاولته استلام مساعدات غذائية لعائلته الجائعة من موقع توزيع مساعدات إنسانية. اكتشفت طائرات بدون طيار هويته من خلال القياسات الحيوية، وقبض عليه جندي أمريكي، وضربه، ثم سلمه إلى القوات الإسرائيلية التي سجنته وعذبته لمدة شهرين. خلال الأيام الخمسة والعشرين الأولى، احتُجز في الحبس الانفرادي وتعرض لأوضاع مرهقة مستمرة حتى شعر، كما أخبرها، وكأن مسامير تُدق في ساقيه. عندما قال هذا لجندي، رد الجندي: “أوه، هل تشعر بمسامير في ساقيك؟ دعني أطرقها”، وبدأ يضربه مرارًا وتكرارًا. تعرض الممرض للاغتصاب بهراوة أُدخلت في شرجه، ونُزعت رموشه واحدة تلو الأخرى باستخدام ملقط، ووُضعت مجسات كهربائية على جفنيه وطرف قضيبه، وصُعق بالكهرباء بجهد عالي. وأضافت أن جنود الاحتلال أجبروه أيضًا على شرب مادة ثلاث مرات يوميًا، أخبروه لاحقًا أنها لتعقيمه. وأضافت لانا أنه خلال فترة احتجازه، حُرم من الطعام – إذ لم يُعطَ سوى بضع ملاعق كبيرة من الحمص أو الأرز ممزوجة بماء المرحاض كل يومين – وفقد عشرة كيلوغرامات في شهرين. وبينت لانا أن “جريمته” المزعومة هي أنه عالج أسرى حرب إسرائيليين، وهو اتهام لا أساس له من الصحة أو الشهود. ورغم ذلك، حُكم عليه بالسجن المؤبد. وقالت بمرارة ممزوجة بالتهكم إنه “حتى لو كانت المزاعم سليمة، بدلاً من شكره على رعايته لأحد الرهائن الإسرائيليين، حكموا عليه بالسجن المؤبد”، مضيفةً أنه أُطلق سراحه قبل ست ساعات فقط من انطلاق الحافلة لتبادل الأسرى، مؤكدة أن هذا دليل على أن الاحتلال يعرف يقينًا أنه لا علاقة له بأي من التهم الموجهة إليه.
وأضافت أن جميع الرجال المفرج عنهم الذين تحدثت إليهم كانوا يرتدون سترات رياضية وأساور حول معصمهم متطابقة تحمل عبارة عربية تعني “أطارد أعدائي، أمسك بهم، ولا أعود حتى أقضي عليهم”، مضيفة: “أوفت إسرائيل بوعدها – لقد دمروهم جسديًا ونفسيًا”. وأكدت أن الاحتلال خطف الكثيرين من المستشفيات، وآخرين من منازلهم أو خيامهم تحت مراقبة طائرات بدون طيار تأمرهم بالخروج وأيديهم مرفوعة، مضيفة أنها كممرضة تستطيع علاج الجروح الجسدية، ولكن ليس ما حل بنفسيتهم، “العيون الغائرة، والنظرات التائهة، وانعدام الثقة التام في العالم”، جروح لا يمكن شفاؤها.
وأكدت أن التعذيب والإهمال الطبي والإذلال ليست إجراءات أمنية، بل جرائم وحشية تُرتكب في حق مدنيين عُزل، وأن الرعاية الطبية ليست امتيازًا – إنها حق. ودعت العالم إلى اتخاذ خطوات عملية واضحة أكثر من “الانتقاد والصلوات”، مطالبة بضرورة وصول الأطباء والمعدات الطبية واللجان الدولية إلى غزة، وأضافت “لا توجد تحقيقات، ولا قرارات طارئة، ولا غضب من أولئك الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان”. واختتمت لانا شهادتها قائلة: “لا يمكننا الصمت. لن أظل صامتة. لن أتراجع. سأروي قصصهم مرارًا وتكرارًا حتى يستمع العالم ويفعل شيئًا حيال ذلك”.
وعن مسألة سرقة أعضاء الفلسطينيين، قال الدكتور مارك بيرلماتر إنه لا يستطيع التأكيد على ادعاءات استئصال الأعضاء بشكل غير قانوني أو غير أخلاقي، لكنه في المقابل يؤكد أنه شهد على جرائم حرب وحشية حدثت من الجانب الإسرائيلي تجاه المدنيين الفلسطينيين، سواء مرضى أو أسرى.
وبصفته جراح تجميل تناول الدكتور مخللاتي مسألة استخدام الجلد والأعضاء بشكل مباشر، ولكن بحذر بشأن الأدلة القاطعة، قائلًا إنه في حين تفتقر غزة إلى القدرة على تقديم أدلة دامغة الآن، إلا أن هناك تاريخًا مؤسسيًا مقلقًا بهذا الخصوص، مضيفًا أن إسرائيل تدير أكبر بنك للجلد البشري في العالم على الرغم من صغر عدد سكانها، وقد قامت الشركات والباحثون الإسرائيليون بعمل مكثف على منتجات الجلد والبحوث ذات الصلة. واستذكر جدلًا سابقًا – مقابلة أجراها يهودا هيس في عام 2000، رئيس معهد أبو كبير للطب الشرعي آنذاك، والتي ورد فيها الاعتراف باستخدام الجثث دون موافقة العائلات؛ وأشار إلى أن هذا الكشف دفع الحكومة الإسرائيلية لاحقًا إلى تأكيدات باتباع اللوائح وإجراءات الموافقة.
في هذا السياق، استشهد البروفيسور دان كوفاليك بمقال نشرته منظمة “عاملون في مجال الرعاية الصحية من أجل فلسطين” في صحيفة “موندويس” بتاريخ 22 فبراير/شباط 2025، بعنوان “تاريخ موجز لسرقة إسرائيل للأعضاء والاتجار بها”. وأوضح أن المقال يوثق عقودًا من سرقة الأعضاء، متضمنًا شهادات من أقارب أسرى فلسطينيين أُعيدت جثث أحبائهم بأعضاء مفقودة – بما في ذلك العيون – واعترافات أطباء إسرائيليين تؤكد هذه الأفعال. ووصف هذا بأنه جريمة متعمدة تهدف إلى إذلال الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن استلام جثة مشوهة بالنسبة للمسلمين ينتهك حرمة الدفن.
من جانبه، قدم السير جيفري نايس كيه سي، المحامي البريطاني والقاضي السابق، رأيًا قانونيًا بحتًا في هذه المسألة مشيرًا إلى صعوبة الجزم في هذه المرحلة بما إذا كان قد حدث انتزاع أعضاء. وأكد أن مثل هذه الادعاءات تتطلب تحقيقًا دقيقًا وحذرًا شديدًا قبل استخلاص أي استنتاجات. وبينما أقر بأن التقارير التي تفيد بإعادة جثث فلسطينية بدون أعضاء حيوية كالكلى والكبد والقرنيات قد تستدعي التحقيق، شدد على الحاجة إلى أدلة أقوى وأشمل بكثير لإثبات هذه الادعاءات. كما طرح احتمالًا بديلًا – وهو أن الجثث قد تُعاد عمدًا بدون أعضاء لإثارة الخوف بين العائلات كشكل من أشكال التعذيب النفسي – مع أنه أضاف أنه لا يوجد دليل يدعم هذا السيناريو حاليًا. واختتم ملاحظاته بشكر المنظمين والتوصية بأن تستمر المناقشات والبحوث المستقبلية حول هذا الموضوع بأقصى درجات العناية والدقة القانونية.