تحوّل القطاع الصحي في غزة إلى مسرح لمعاناة إنسانية غير مسبوقة، في ظل استمرار منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية الحيوية.
وفي هذا السياق؛ قال مدير مجمع الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلمية، إن “الوضع الصحي في غزة كارثي بكل المقاييس”، مؤكداً أن المستشفيات عاجزة عن إنقاذ الحياة وأنها تعمل في ظروف تفوق طاقتها بأضعاف، بعد تدمير معظم المنشآت الطبية وانقطاع الإمدادات الحيوية.
وأوضح في تصريحات إعلامية أن عدد الأسرّة في مستشفيات القطاع تراجع من 3500 إلى نحو 1500 سرير فقط، في حين تجاوزت الطاقة الاستيعابية للمستشفيات 200%، مما يدفع الكوادر الطبية إلى معالجة المرضى على الأرض وفي الممرات.
وأشار أبو سلمية إلى وجود عشرات الجرحى الذين يحتاجون إلى عمليات عاجلة، إلى جانب مئات العمليات المؤجلة منذ أكثر من عامين بسبب نقص الأجهزة الطبية وغرف العمليات.
وأضاف أن القطاع يعاني من نقص حاد في الأدوية، وأجهزة العناية المركزة، وغرف العمليات، وأجهزة غسيل الكلى، والعلاج الكيميائي لمرضى السرطان، مشيراً إلى أن ما يدخل من المستلزمات لا يتجاوز 10% من الاحتياجات الفعلية، وهو ما يجعل تقديم الخدمات الطبية الأساسية “أمراً شبه مستحيل”.
وتشير المعطيات الحالية إلى أن تدهور الوضع الصحي في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية عرضية، بل نتيجة مباشرة لسياسات ممنهجة يتّبعها الاحتلال تستهدف المدنيين بشكل مباشر عبر تدمير البنى التحتية ومنع الإمدادات الأساسية عنهم.
ووفقاً لمبادئ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، تُعدّ الأفعال التي تؤدي عمداً إلى إهلاك جماعة بشرية من خلال الحرمان من الغذاء أو الدواء أو العلاج من أشكال الإبادة الجماعية، حتى إن لم يكن القتل المباشر هو الوسيلة الأساسية.
ويُضاف إلى ذلك ما نصّت عليه اتفاقيات جنيف الرابعة (1949) بشأن حماية المدنيين في أوقات الحرب، والتي تُحرّم بشكل واضح استهداف المنشآت الطبية أو منع الإغاثة الإنسانية، وتعتبر هذه الأفعال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إذا تمت بشكل واسع ومنهجي.
وأدت حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة لمدة عامين كاملين منذ 7 أكتوبر 2023، إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية الصحية في شمال القطاع، بما في ذلك مجمعات طبية كبرى كانت تُعدّ عماد النظام الصحي في غزة، مثل مجمع الشفاء ومستشفى كمال عدوان ومستشفى القدس. ونتيجة لذلك؛ توقفت عشرات مراكز الرعاية الأولية عن العمل، فيما تعمل المستشفيات المتبقية بقدرة جزئية لا تتجاوز 20% من طاقتها الأصلية.
وخلق هذا التدمير الممنهج، إلى جانب الحصار المفروض ومنع إدخال الوقود والأدوية، وضعاً تتجلى فيه ملامح الإبادة الجماعية بوضوح، إذ يموت المرضى والجرحى ليس فقط بسبب القصف المباشر، بل بسبب غياب العلاج والرعاية الطبية.
ويؤكد القانون الدولي الإنساني أن الحق في الحياة والرعاية الصحية حق غير قابل للتصرف، حتى في زمن النزاعات المسلحة. وتتحمل القوة القائمة بالاحتلال مسؤولية مباشرة عن تأمين احتياجات السكان المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك الخدمات الطبية الأساسية.
إلا أن الوقائع الميدانية تشير إلى إخلال جسيم بهذه الالتزامات، حيث أدى تدمير المستشفيات ومنع دخول الإمدادات إلى وفاة عدد كبير من الجرحى والمرضى، وتفاقم الأوضاع الوبائية، وانتشار سوء التغذية، وهو ما يشكل نمطاً من أنماط العقاب الجماعي المحظور قانوناً.

























