شهدت مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور غربي السودان، واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، بعد أن أجبرت موجة جديدة من الهجمات آلاف المدنيين على الفرار في ظروف مأساوية.
فوفقاً لتقديرات منظمة الهجرة الدولية، نزح خلال يومٍ واحد فقط 7,455 شخصاً من المدينة نتيجة الاشتباكات المستمرة، ليرتفع إجمالي عدد النازحين خلال ثلاثة أيام إلى 33,485 شخصاً، في نزوح جماعي يعكس عمق الانهيار الأمني والإنساني داخل الفاشر.
وتأتي موجة النزوح الجديدة في ظل اتهامات واسعة لقوات الدعم السريع بارتكاب مجازر ميدانية وعمليات تصفية جسدية ضد الجرحى والمصابين داخل المستشفيات، إلى جانب الاعتقالات والتهجير القسري للسكان، وهي ممارسات ترقى – وفق القانون الدولي الإنساني – إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ووفق مصادر محلية؛ فإن الأوضاع داخل المستشفى السعودي تمثل “مجزرة صامتة”، إذ جرى قتل الجرحى والمصابين “وهم بين الحياة والموت”، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الطبية والإنسانية التي تفرض حماية الجرحى والمرضى حتى في أوقات النزاع.
وتأتي الهجمات الأخيرة امتداداً لسلوك ممنهج اتسمت به الحرب في دارفور خلال العام ونصف الماضي، حيث استخدمت قوات الدعم السريع الاقتحامات والتجويع والحصار كوسائل للسيطرة، متسببةً في تدمير متعمد للبنى التحتية المدنية.
وأصبحت مدينة الفاشر، التي كانت تؤوي نحو نصف مليون نسمة قبل الحرب، اليوم شبه خالية بعد نزوح مئات الآلاف، في مشهد يعيد إلى الأذهان مآسي الإبادة الجماعية التي شهدها الإقليم مطلع الألفية.
وتُعد الانتهاكات المرتكبة في الفاشر خرقاً مباشراً للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف لعام 1949، خصوصاً ما يتعلق بحماية المدنيين، والجرحى، والمرافق الطبية. فاستهداف المستشفيات والمرضى يُعتبر من الجرائم الجسيمة التي لا تسقط بالتقادم، كما أن التهجير القسري للسكان يُصنّف قانوناً كجريمة ضد الإنسانية إذا تم على نطاق واسع أو بشكل منهجي، كما هو الحال في الفاشر اليوم.
ورغم تواتر التقارير التي توثّق هذه الانتهاكات، لا تزال ردود الفعل الدولية محدودة ومقتصرة على بيانات إدانة عامة، بينما يتواصل الانهيار الإنساني بوتيرة متسارعة.
وتشير تقديرات أممية إلى أن الحرب في السودان خلفت حتى الآن أكثر من 20 ألف قتيل وأكثر من 15 مليون نازح ولاجئ، بينما قدّرت دراسات مستقلة العدد الحقيقي للضحايا بما يقارب 130 ألف قتيل، ما يجعلها واحدة من أكثر النزاعات دموية في القرن الحالي.
إن الصمت الدولي حيال ما يحدث في الفاشر خصوصا، والسودان عموما، لا يعني الحياد، بل يشكل تواطؤاً غير مباشر في الجرائم الجارية. وما لم يتم فرض آلية دولية للمساءلة والمراقبة الفعلية؛ فإن دارفور ماضية نحو تكرار مأساتها التاريخية، على مرأى من عالمٍ يبدو أنه فقد حسّه الإنساني.


























