في مشهد يتكرر داخل السجون المصرية؛ توفي المعتقل السياسي أحمد محمود محمد سعيد (48 عاماً) داخل سجن الجيزة العمومي (الكيلو 10 ونص)، بعد معاناة طويلة مع سرطان الغدة، وحرمان متعمد من العلاج والرعاية الطبية اللازمة.
وأحمد من أبناء قرية ناهيا بمركز كرداسة في محافظة الجيزة، أُصيب بالمرض قبل أكثر من عامين، وأثبتت الفحوص الطبية أنه في مرحلة متقدمة من السرطان. ورغم ذلك؛ رفضت إدارة السجن نقله إلى مركز متخصص لتلقي العلاج الكيماوي، واكتفت بإجراءات طبية شكلية لم تراعِ خطورة حالته.
وإثر ذلك؛ تدهورت حالته الصحية سريعاً، ونُقل مؤخراً إلى مستشفى القصر العيني لفترة وجيزة، قبل أن يُعاد إلى محبسه، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة داخل زنزانته مساء السبت 8 نوفمبر، بعد أن وضع رأسه على قدم أحد زملائه.
وتعكس هذه الواقعة أزمة أوسع داخل منظومة السجون المصرية، حيث تتحول الإصابات الخطيرة والأمراض المزمنة إلى أحكام بالإعدام البطيء نتيجة الإهمال الطبي وحرمان السجناء من أبسط حقوقهم في العلاج.
ويشكّل استمرار حبس المرضى رغم ثبوت خطورة حالتهم مخالفة صريحة للمادة (486) من قانون الإجراءات الجنائية، التي تجيز تأجيل تنفيذ العقوبة إذا كان السجين مصاباً بمرض يهدد حياته. كما يمثل انتهاكاً مباشراً للمادة (56) من الدستور المصري التي تنص على أن “السجن دار إصلاح وتأهيل، ويحظر فيه كل ما ينافي كرامة الإنسان أو يعرض صحته للخطر”.
ورغم هذه النصوص الصريحة؛ يُحرم مئات المعتقلين من الإفراج الصحي، ويستمر تجديد حبسهم دون مراعاة تقاريرهم الطبية أو مناشدات أسرهم ومحاميهم، ما يُظهر خللاً جوهرياً في آليات الرقابة القضائية والإنسانية على أماكن الاحتجاز.
وكان الراحل أحمد محمود قد أمضى نحو ثماني سنوات خلف القضبان، وحصل في أكتوبر 2022 على قرار قضائي بإخلاء سبيله بكفالة، لكن الأجهزة الأمنية أعادت تدويره على ذمة قضية جديدة، في ممارسة باتت أداة ممنهجة لتمديد الحبس التعسفي وتفريغ قرارات القضاء من مضمونها.
وتأتي وفاة أحمد محمود ضمن سلسلة وفيات متصاعدة داخل السجون المصرية نتيجة الإهمال الطبي، وغياب المحاسبة، وحرمان السجناء من العلاج، في ظواهر آخذة بالتوسع، وسط ضعف الرقابة على أماكن الاحتجاز وتغوّل السلطة التنفيذية على ضمانات العدالة.
وتفرض هذه الواقعة الحاجة إلى تحرك عاجل لإنقاذ من تبقّى من المرضى داخل السجون، عبر تفعيل نصوص القانون التي تتيح الإفراج الصحي، وضمان نقل المصابين بأمراض خطيرة إلى مستشفيات متخصصة على نفقة الدولة، ووقف سياسة التدوير التي تحرمهم من حريتهم رغم القرارات القضائية. كما يستدعي الأمر مراجعة شاملة لسياسات الاحتجاز والرعاية الطبية، وصياغة آلية رقابية مستقلة ذات صلاحيات حقيقية تُمكّنها من تفقد السجون والتحقيق في حالات الوفاة والإهمال.



























