قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين بلغت درجة من البشاعة غير المسبوقة، بعد تواتر الشهادات الموثقة عن اغتصاب وتعذيب جنسي ممنهج في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والاتفاقيات الدولية، وبما يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وبينت المنظمة أن ما ورد في شهادات الضحايا يقدم أدلة دامغة على أن هذه الجرائم ليست تصرفات فردية، بل سياسة ممنهجة تنفذ بتعليمات من جهات عليا في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وتهدف إلى تصفية المعتقلين الفلسطينيين وتحطيمهم نفسياً وجسدياً.
وأوضحت المنظمة أن شهادات الأسرى المفرج عنهم نساءا وأطفالا ورجالا تضمنت روايات صادمة عن الاغتصاب داخل مراكز التحقيق، واستخدام أدوات وأجسام صلبة في الاعتداءات، وإقحام الكلاب البوليسية المدربة في عمليات الاغتصاب والتصوير أثناء الاعتداءات بغرض الإذلال والابتزاز.
وأضافت المنظمة أن شهادات الأسرى المفرج عنهم كشفت عن تفاصيل مروّعة لما يجري داخل معتقلات الاحتلال، حيث روت إحدى الأسيرات المفرج عنها كيف تعرّضت لاغتصاب متكرّر وتصويرها وتهديدها بنشر الصور والأفلام، وتحدّث أسير آخر عن اغتصابه بواسطة كلب بوليسي داخل معتقل “سدي تيمان”، وتحدّث أسير عن اغتصابه بعصا خشبية أُجبر لاحقًا على لعقها، وروى أسير عن اغتصابه بزجاجة فيما تعرّض معتقلون آخرون لعمليات اغتصاب جماعي واعتداءات جنسية أودت بحياة بعضهم.
ولفتت المنظمة أن المجتمع الإسرائيلي لا يُبدي أدنى حساسية تجاه فظائع التعذيب والجرائم المروّعة التي تُمارس بحق الفلسطينيين. وقد كشفت جريمة الاغتصاب التي سُرّبت من معتقل سدي تمان عن عمق الانحطاط الأخلاقي السائد داخل مؤسسات الاحتلال، إذ لم يُثر الفيديو الذي وثّق الجنود وهم يغتصبون فلسطينيًا أي صدمة حقيقية في المجتمع الإسرائيلي. بل انصبّ الاهتمام على كيفية تسريب المقطع لا على فظاعة الجريمة نفسها. وبدلًا من إدانة الفاعلين وملاحقتهم، جرى ملاحقة من سرّب الفيديو ومحاسبته، وكأنه المجرم، في حين حظي الجنود المتورطون بدعمٍ وتعاطفٍ من قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، في مشهد يعكس تواطؤًا أخلاقيًا واجتماعيًا خطيرًا مع جرائم الحرب.
وتوجو الموقف الرسمي والمجتمعي إذ أرسل الاحتلال وفدًا مكوّنًا من 28 خبيرًا ومحاميًا إلى جنيف للدفاع عن سجله أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة. وقد تابع العالم بأسره كيف أنكر الوفد جميع الجرائم المرتكبة محاولًا ترويج سردية زائفة تزعم أن إسرائيل “دولة تحترم القانون وحقوق الإنسان”. هذا الأداء المنظّم من الإنكار يكشف الإجرام المؤسسي المتجذر في بنية الدولة والمجتمع.
وأشارت المنظمة أن هذه الوقائع المفزعة، التي وثق بعضها بتسريبات مصورة من داخل السجون تؤكد أن الاغتصاب والعنف الجنسي أصبحا أداة قمع رسمية يستخدمها الاحتلال ضمن منظومة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، في الوقت الذي تواصل فيه سلطات الاحتلال إصدار تشريعات أشد قسوة، آخرها مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، الذي يشكل امتداداً لذات النهج الإجرامي الهادف إلى تصفية الفلسطينيين جسدياً ومعنوياً.
ونوهت المنظمة أن ردود الأفعال الدولية والأممية طالما كانت قاصرة وهامشية رغم جسامة هذه الجرائم، إذ صدرت بيانات تنديد في وقائع سابقة من المقررين الخاصين في الأمم المتحدة المعنيين بالتعذيب والعنف الجنسي، أكدت أن ما يجري في السجون الإسرائيلية يمثل “تعذيباً جنسياً محرماً دولياً” يستوجب المحاسبة، إلا أن تلك الإدانات لم تُترجم إلى أي خطوات عملية لفتح السجون امام المفتشين الدوليين أو محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.
وأكدت المنظمة أن شَلل أدوات الأمم المتحدة ومجلس الأمن أمام الجرائم الإسرائيلية جعل من البيانات الأممية غطاءً لفظياً للعجز السياسي الدولي، في ظل استمرار الولايات المتحدة في استخدام حق النقض (الفيتو) لحماية إسرائيل من أي مساءلة أو فرض أي عقوبات، ما شجعها على الاستمرار في ارتكاب الجرائم المختلفة، بل تسخير كل الإمكانيات الإعلامية محليا وغربيا لإنكار ارتكاب هذه الجرائم.
وشدّدت المنظمة على أن استمرار الصمت الدولي أمام جرائم الاغتصاب والتعذيب الجنسي، بالتزامن مع تشريع عقوبة الإعدام، يكرّس النهج الدموي الذي خطه الاحتلال ويجعله روتينا يوميا في ظل إفلات كامل من العقاب ومن أي مساءلة.
وطالبت المنظمة بتشكيل لحنه متخصصة تشمل أطباء واخصائيين اجتماعيين لتقديم الدعم للضحايا وتشجيع كل من تعرض للتعذيب وخاصه الاغتصاب إلى الإدلاء بشهادتهم وعدم الاكتراث بالتهديدات التي تلقوها من الاحتلال، كما طالبت المنظمة بتشكيل لجنة دولية مهنية للتحقيق في جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي داخل السجون الإسرائيلية، وإحالة جميع الأدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ودعت المنظمة الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة التعذيب إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية بملاحقة مرتكبي هذه الجرائم أينما وُجدوا والعمل على اتخاذ اجراءات حاسمة لإنقاذ أكثر من 9 آلاف أسير يعانون في كل لحظة من صنوف مرعبة من التعذيب.
كما دعت المنظمة المؤسسات الإعلامية الدولية والتي دأب منها على نشر روايات كاذبه تدعم سردية الاحتلال إلى التحلي بالحد الأدنى من المهنية والأخلاق والتعامل مع شهادات الضحايا باعتبارها شهادات إنسانية وليست سياسية، وإعطائها المساحة التي تستحقها في الوعي العالمي، مؤكدة أن التغاضي عن هذه الجرائم هو تواطؤ يفتح الباب لمزيد من الانتهاكات، فجرائم الاحتلال تتزايد فظاعةً يومًا بعد يوم، بينما يزداد العالم صمتًا وتخاذلاً.
























