أصدرت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس، اليوم الجمعة، حكماً يقضي بسجن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لمدة عامين مع غرامة مالية، وذلك على خلفية تبرعه بقيمة الجائزة الدولية لنشر المبادئ الغاندية للسلام والتسامح لفائدة منظمة الهلال الأحمر التونسي.
وأوضحت هيئة الدفاع عن الغنوشي في بيان، أن موكّلها كان قد حصل على هذه الجائزة بتاريخ 7 نوفمبر 2016، كتكريم له على ما وصفته بجهوده في نشر قيم التسامح والسلام والمحبة عبر مسيرته السياسية والفكرية، مشيرة إلى أنه يُعد أول شخصية عربية تنال هذا التكريم.
وأضافت الهيئة أن الحكم الصادر اليوم يختتم مساراً قضائياً شابته إخلالات إجرائية، واعتبرت أنه مخالف للقانون وغير مستجيب لمتطلبات المحاكمة العادلة وأبسط ضمانات التقاضي السليم.
وتكشف هذه القضية عن مناخ حقوقي يزداد هشاشة في تونس، حيث تراجعت معظم الضمانات الأساسية المرتبطة باستقلال القضاء. فالحكم الصادر اليوم يعيد إلى الواجهة واقعاً بات واضحاً يتمثل في تركّز السلطة داخل المؤسسة التنفيذية، وتأثير هذا التركّز على مسار التقاضي، خصوصاً في الملفات التي تطال شخصيات معارضة أو ذات وزن سياسي.
ويبدو من خلال ممارسات السنوات الأخيرة أن القضاء التونسي يمر بمرحلة تتسم بغياب التوازن الضروري بين مؤسسات الدولة، وهو ما أفسح المجال لقرارات وإجراءات ذات طابع سياسي تُتخذ داخل الفضاء القضائي، سواء عبر آليات التتبّع أو من خلال مسار المحاكمات ذاتها.
كما أنّ الطريقة التي أُديرت بها هذه القضية – بدءاً من فتح الملف إلى إصدار الحكم – تعكس اختلالاً واضحاً في توزيع السلطات، إذ أصبح القضاء في موقع أقرب إلى الامتداد للسلطة التنفيذية منه إلى سلطة مستقلة تمارس دورها الرقابي وتحمي الحقوق والحريات.
وتكشف القضية كذلك عن ضعف الحماية العملية لمبدأ المحاكمة العادلة، سواء من حيث احترام الإجراءات، أو تمكين الدفاع من حقوقه، أو ضمان الحياد المطلوب في معالجة الملفات المرتبطة بشخصيات ذات خلفيات سياسية. إذ إن اللجوء إلى تتبع شخصية عامة بسبب تبرع مالي مرتبط بجائزة شخصية، ومن دون وجود أخطاء مالية مثبتة أو ضرر واضح بالمصلحة العامة، يعدّ مؤشراً على توسع دائرة التجريم خارج نطاقها الطبيعي، وعلى استخدام الآليات القانونية في سياقات سياسية صرفة.
ولا يمكن فصل الحكم بسجن الغنوشي لسنتين عن المناخ العام الذي يمرّ به البلد، ولا عن تراجع منظومة الضمانات التي كانت تحمي المواطنين والفاعلين السياسيين من التتبعات التي تحمل طابعاً سياسياً أكثر منه قانونياً. كما أن استمرار هذا النهج يعمّق الشعور بأن القضاء لم يعد قادراً على لعب دوره كحامٍ للحقوق، بل أصبح جزءاً من أدوات إدارة الصراع السياسي الداخلي.
ومع إعلان هيئة الدفاع عزمها الاستئناف، يبقى الملف مفتوحاً على تطورات جديدة، لكنه يطرح اليوم أسئلة أكثر جدّية حول مستقبل استقلال القضاء في تونس، وحول قدرة المنظومة الحالية على توفير جو من العدالة الحقيقية بعيداً عن التأثيرات السياسية المباشرة.





























