عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة مساء الخميس، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لتسليط الضوء مشروع القانون الإسرائيلي “عقوبة الإعدام للإرهابيين”، والذي يسعى إلى إضفاء الشرعية على عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وشرعنة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين. استكشف النقاش السياق الأوسع للانتهاكات الإسرائيلية المنهجية، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي والوفيات أثناء الاحتجاز، وبحث كيف يهدف هذا التشريع إلى تحويل عقود من عمليات القتل غير القانونية إلى إطار قضائي مدون يقوض القانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية.
جمعت الندوة مجموعة متميزة من المتحدثين، هم: جيريمي كوربين، عضو البرلمان البريطاني؛ والبروفيسور ستيفن زونس، أستاذ الأمن الدولي والسياسة الخارجية بجامعة سان فرانسيسكو؛ والدكتور جيف هالبر، رئيس اللجنة الإسرائيلية ضد هدم منازل الفلسطينيين (ICAHD)؛ والدكتور ليكس تاكينبيرج، مستشار الملف الفلسطيني في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية والمدير السابق لعمليات الأونروا؛ ميلينا أنصاري، باحثة في قسم إسرائيل/فلسطين في هيومن رايتس ووتش؛ وإريك وارسو، مؤثر أمريكي على مواقع التواصل الاجتماعي. قدّموا معًا وجهات نظر قانونية وسياسية وأخلاقية حول تصاعد القمع الإسرائيلي والحاجة المُلِحّة للمساءلة والتحرك الدولي.
في مداخلتها، سلّطت ميلينا أنصاري الضوء على الواقع المُقلق وراء تقدّم إسرائيل بمشروع قانون عقوبة الإعدام الذي يستهدف الفلسطينيين. وأشارت إلى أن القانون قد أُقرّ في القراءة الأولى في الكنيست بأغلبية واسعة – 39 صوتًا مقابل 16 – مما يعكس إرادة سياسية راسخة لإضفاء الطابع الرسمي على عمليات القتل خارج نطاق القضاء. وأكدت أن صياغة مشروع القانون وشروطه وعناصره تُبيّن بوضوح تام أن الفلسطينيين وحدهم هم من سيقعون تحت نطاقه، لا سيما وأنه يربط عقوبة الإعدام بالممارسات التي يُزعم أنها “بدافع العنصرية أو العداء أو نية الإضرار بدولة إسرائيل والشعب اليهودي”. وأكدت أن هذا الدفع التشريعي يأتي في ظل بيئة يُعامل فيها الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة على أنهم مجرد ضحايا، وحيث دأبت إسرائيل على سياسات إطلاق النار بقصد القتل والإعدام خارج نطاق القضاء لعقود.
وأضافت أنصاري أنه لا يمكن فصل تشريع عقوبة الإعدام عن الانتهاكات المتصاعدة داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، حيث أفادت بأن 77 فلسطينيًا لقوا حتفهم في السجون الإسرائيلية خلال العامين الماضيين، وكشفت عمليات تشريح الجثث عن إهمال طبي متفش، وأمراض مزمنة غير معالجة، وإصابات لحقت بهم أثناء الاعتقال، وحرمان ممنهج من الرعاية الصحية الأساسية. واستشهدت بتوثيق مستمر من هيومن رايتس ووتش، وأطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل، ومنظمات فلسطينية تُظهر التعذيب، والعنف الجنسي، والاغتصاب، والحرمان من الطعام والماء، ومداهمات عنيفة للسجون. وأكدت أن هذه البيئة المتدهورة تعكس ثقافة الإفلات المطلق من العقاب، التي يُسهّلها ويشجعها مسؤولون إسرائيليون مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. وحذرت من أن التوجه نحو عمليات الإعدام المُقننة هو امتداد مباشر لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي المصمم للهيمنة على الفلسطينيين وقمعهم.
وأكدت ميلينا أنصاري أن تفويض المحاكم العسكرية الإسرائيلية – التي تُدين الفلسطينيين بمعدلات تزيد عن 99٪ – بفرض عقوبة الإعدام يُلغي أي إمكانية للعدالة أو الإجراءات القانونية الواجبة. وحذرت من أنه بمجرد تطبيق عقوبة الإعدام، “نهائية”، واستخدامها كسلاح ضد شعب يتعرض بالفعل للقتل والتعذيب والإبادة الجماعية سيشكل اعتداءً لا رجعة فيه على الحق في الحياة. كما أشارت إلى السياق السياسي للقانون، مشيرة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يستغلون هذا القانون قبل الانتخابات المقبلة، ويستخدمونه كأداة للتحريض والهيمنة. واستذكرت النقاش المخيف داخل البرلمان الإسرائيلي حول ما إذا كان ينبغي حماية الجنود المتورطين في الاغتصاب الجماعي للمعتقلين الفلسطينيين من الملاحقة القضائية – وهو مثال، كما قالت، يعكس ثقافة الحماية الأوسع الممنوحة لمرتكبي الفظائع. واختتمت ميلينا أنصاري بالدعوة إلى اتخاذ إجراءات موحدة وعاجلة لمنع هذا القانون من التقدم أكثر، وأصرت على أن السماح بمناقشة مثل هذا القانون من شأنه أن يعمق نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين ويضفي طابعًا رسميًا على مستوى جديد من التعذيب وسوء المعاملة وعنف الدولة.
في كلمته، أوضح الدكتور جيف هالبر أنه، وإن لم يكن يتحدث بصفته محاميًا أو مدافعًا عن حقوق الإنسان، فإن تحليله ينبع من عمله المتواصل كناشط سياسي في مواجهة النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. وأكد على أنه لا يمكن اعتبار قانون عقوبة الإعدام المقترح مبادرة معزولة أو متطرفة، تدعمها شخصيات يمينية متطرفة مثل بن غفير فحسب؛ بل هو انعكاس حتمي لمنطق الاستعمار الاستيطاني الذي شكّل الصهيونية لأكثر من قرن. وأكد هالبر بأن الإذلال، ومعاملة الفلسطينيين كنكرات، والعنف، والإبادة الجماعية، والقتل خارج نطاق القضاء، والقتل القضائي، هي مكونات هيكلية لهذا النظام – وليست شذوذًا يمكن إصلاحه من خلال معارك قانونية فردية. وأكد أن محاولات معالجة القانون بمعزل عن غيره ترقى إلى “تلاعب بالنظام”، إذ يجب تفكيك إطار الهيمنة برمته، وليس مجرد تعديله.
وضع هالبر مشروع قانون عقوبة الإعدام في السياق الأوسع للحظة الراهنة، التي وصفها بمرحلة التهدئة في مشروع الاستعمار الاستيطاني الذي استمر 130 عامًا. وأكد بأن هذه المرحلة تعكس توجهًا نحو التطبيع، حيث تسعى إسرائيل إلى قبول واقعها الاستعماري الاستيطاني قبولًا كاملًا من الدول العربية والمجتمع الدولي والقوى العالمية، وهو ما تبرهن عليه اتفاقيات إبراهيم والتحالفات المماثلة. ولكي تنجح عملية التطبيع، يقول، يجب على إسرائيل أن تفرض ما يسميه “الهدوء الصناعي”، أي القضاء الكامل على أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية.
ولهذا — كما يوضح هالبر — تنفّذ إسرائيل في الوقت نفسه الإبادة الجماعية في غزة، والاعتقال الجماعي وإساءة معاملة الفلسطينيين، وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، وعمليات الإعدام الميداني، والهجمات المستمرة ضد نحو 10,000 أسير فلسطيني. وأكد أن إصرار نتنياهو على “النصر الكامل” في غزة يعكس المنطق القائل بأن مجرد وجود مقاتل واحد ناجٍ، أو حتى فلسطيني واحد يعبر عن هوية وطنية، يُعد مقاومة شديدة لمشروع التطبيع، بحيث لا يمكن المضي قدمًا فيه.
ربط هالبر مشروع قانون الإعدام مباشرة بثلاثة محاور أساسية: الردع، ونزع الإنسانية، واليأس، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي من القانون هو محو الهوية السياسية الفلسطينية وسحق إنسانية الفلسطينيين بالكامل. وشرح أن مفهوم “الردع” هنا هو أداة تهدف إلى القضاء ليس فقط على المقاومة المسلحة، بل أيضًا على أي تعبير عن الوعي أو الهوية الوطنية الفلسطينية. واستشهد بفكرة “الجدار الحديدي” التي طرحها زئيف جابوتنسكي عام 1923، موضحًا أن إسرائيل تسعى إلى دفع الفلسطينيين نحو حالة يأس مطلق تجعلهم يقتنعون بأن وجود دولة عربية فلسطينية بات مستحيلًا إلى الأبد.
ولشرح آلية نزع الإنسانية، استعاد هالبر تحليلات تاريخية متعلقة بالمحرقة، مشيرًا إلى أن أنظمة الجرائم الجماعية لا تستطيع تنفيذ أعمالها الوحشية دون تجريد الضحايا من إنسانيتهم أولًا، حتى لا يشعر الجلادون أنهم يعتدون على بشر. وأشار إلى أن هذا المنطق نفسه يحكم سياسات إسرائيل الراهنة — من حالات الاغتصاب في مراكز الاحتجاز إلى تصوير الفلسطينيين بأكملهم على أنهم “إرهابيون”. واختتم بالتأكيد أن العمل الحقوقي، رغم أهميته، لن يكون قادرًا على تفكيك منظومة قائمة على استعمار استيطاني؛ فطالما لم يُواجَه هذا النظام الجذري ويُزال من أساسه، سيظل المجتمع الدولي عالقًا في دائرة لا تنتهي من مواجهة قوانين جديدة وجرائم جديدة بينما تواصل إسرائيل مشروعها الاستعماري الأوسع.
في مداخلته، شدّد البروفيسور ستيفن زونس على أن أياً من الفظائع التي ترتكبها إسرائيل — والتي تشكل الإبادة الجماعية، والتعذيب، والإعدامات خارج نطاق القانون، والاعتقال الجماعي — لم تكن لتحدث لولا الدور المحوري للولايات المتحدة. وأوضح أن الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي الأميركي، إلى جانب الاستخدام المتكرر لحق النقض في مجلس الأمن، هو ما مكّن إسرائيل من تنفيذ جرائم واسعة النطاق بلا أي مساءلة. وبينما أشار إلى أن بريطانيا وحكومات أوروبية أخرى تتحمّل جزءًا من المسؤولية، أكد أن الدور الفريد للولايات المتحدة في دعم الإبادة في غزة يكرر نمطًا تاريخيًا من دعم واشنطن للأنظمة القمعية في أميركا اللاتينية، وإيران في عهد الشاه، ومصر، والسعودية، والمغرب. وأضاف أن ما يميز إسرائيل هو الادعاء بأنها “ديمقراطية”، وهو السرد الذي يسمح لكثير من الليبراليين الأميركيين — الذين يعارضون القمع في أماكن أخرى — بأن يواصلوا الدفاع عنها. ولذلك، يرى زونس أن من الضروري نشر شهادات الأدلة حول الجرائم الإسرائيلية على أوسع نطاق.
وتابع زونس موضحًا أن حتى بعض الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم “صهاينة”— رغم معارضتهم لنتنياهو — بدأوا يعترفون بوجود انتهاكات، وخاصة عنف المستوطنين في الضفة الغربية، والتعذيب في السجون الإسرائيلية، والإعدامات الميدانية. واعتبر أن هذه الانتهاكات تمثل “نقطة ضعف” يمكن استخدامها لإحداث تحول في السياسة الأميركية، لا سيما عندما يكون الضحايا مواطنين أميركيين. واستشهد بحالات مثل اغتيال الصحفية الأميركية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وراتشيل كوري التي قُتلت في غزة، مؤكدًا أن عمليات القتل الموجّهة لأشخاص غير مسلحين — خصوصًا الأميركيين — تُحدث صدمة في الرأي العام الأميركي أكبر بكثير من قصف أحياء كاملة، لأن القصف غالبًا ما يُبرَّر بالسرديات الإسرائيلية المعتادة مثل “الدروع البشرية” أو “ضرورات الحرب”.
وفي ختام مداخلته، أبرز زونس الدور الحاسم الذي تؤديه المنظمات الحقوقية الدولية الرئيسية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش. وأوضح أن النقد المتواصل الذي توجهه هذه المنظمات لانتهاكات دول مثل إيران وبورما وروسيا ينسف الادعاءات القائلة بأنها “منحازة ضد إسرائيل”، خاصة وأنها تتعرض لعمليات تدقيق ومراجعة تحديدًا لأنها توثّق الجرائم الإسرائيلية أيضًا. وشدّد على أهمية النشطاء الإسرائيليين الذين يعملون ميدانيًا على توثيق الانتهاكات، وحماية المزارعين الفلسطينيين، وكشف حقيقة الاحتلال أمام العالم.
كما لفت زونيس إلى القوة التحويلية للأدلة المصوّرة في عصر يحمل فيه الجميع هاتفًا بكاميرا، ما يجعل من الصعب على السلطات الإسرائيلية تشويه الوقائع أو التحكم بالرواية. وأكد أن الرأي العام الأميركي يشهد تحولًا تاريخيًا: للمرة الأولى، تعارض غالبية الأميركيين تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل، وللمرة الأولى يتعاطف عدد أكبر من الأميركيين مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين. وبحسب زونس، يفتح هذا التحوّل لحظة نادرة يمكن من خلالها تعبئة المجتمع الأميركي ضد الإعدامات والتعذيب والجرائم الإسرائيلية، ودفع الولايات المتحدة نحو تغيير سياسي فعلي في سياستها تجاه إسرائيل.
في مداخلته، أوضح الدكتور ليكس تاكنبيرغ، متفقًا مع جيف هالبر، أن مشروع قانون الإعدام يجب فهمه ضمن الإطار الأوسع للمشروع الاستيطاني-الاستعماري الذي تتبعه إسرائيل منذ ما قبل عام 1948. واعتبر أن هذا القانون ليس سوى أداة إضافية تُضاف إلى “صندوق أدوات” إسرائيل الهادف إلى محو الوجود الفلسطيني الأصلي — وهو مشروع نفّذته عبر التهجير، والإقصاء، والقتل، وبلغ ذروته في النكبة، ثم توسّع بعد احتلال عام 1967. وعلى الرغم من أن إسرائيل أبقت عقوبة الإعدام ضمن منظومتها القانونية منذ تأسيسها، إلا أنها — كما أشار — امتنعت عن استخدامها كإجراء قضائي ضد الفلسطينيين بسبب اعتراضات في الفقه اليهودي. وبدلًا من ذلك، اعتمدت على عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء بشكل واسع، ما يجعل من مشروع القانون الجديد خطوة خطيرة وغير مسبوقة تهدف بوضوح إلى استهداف الفلسطينيين عبر سلطة قضائية رسمية.
وحذّر الدكتور تاكنبيرغ من أن المسار التشريعي لهذا القانون — الذي يُدفَع بسرعة داخل الكنيست، وبأصوات صاغها غياب العديد من الأعضاء — يشير إلى إمكانية اعتماده قريبًا. وأعرب عن قلق بالغ إزاء النقاش حول التطبيق بأثر رجعي، بما يعني أن الفلسطينيين المحكومين أصلًا بمدد طويلة قد تُحوَّل عقوباتهم إلى الإعدام، وهي خطوة وصفها بأنها “غير مسبوقة” قانونيًا وتكشف كيف أصبحت إسرائيل تعمل داخل “فقاعة” سياسية وقانونية منفصلة عن قيمها المعلنة وعن المبادئ الأساسية للقانون الدولي. وشدد على أن إسرائيل لا تملك أي سلطة قانونية لسنّ مثل هذه التشريعات في الأراضي الفلسطينية المحتلة — بما في ذلك غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية — مستشهدًا بثلاثة آراء استشارية متتالية صادرة عن محكمة العدل الدولية، تؤكد جميعها ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وتفكيك نظام الأبارتهايد، وإزالة المستوطنين، ووقف فرض القوانين الإسرائيلية على الإقليم المحتل.
وفي ختام مداخلته، أكد الدكتور تاكنبيرغ أن مشروع قانون الإعدام لا يمكن فصله عن سياق التواطؤ الدولي. واستشهد بتقرير حديث للمقررة الخاصة فرانسيسكا ألبانيزي، الذي يوضح أن إسرائيل، رغم كونها الفاعل المباشر للإبادة الجماعية في غزة، إلا أنها ترتكب جريمة جماعية تتم بتمكين مباشر من الولايات المتحدة وما يقارب ستين دولة أخرى. فهذه الدول وفّرت الأسلحة، ومنحت الغطاء السياسي، وخففت لغة قرارات الأمم المتحدة، وحافظت على التعاون التجاري والأكاديمي والثقافي والرياضي الذي يضمن استمرار نظام الأبارتهايد والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. وشدد على أن مسؤولية “الدول الثالثة” ملزمة قانونًا: فالدول التي تُسهم في الانتهاكات تتحمل مسؤولية دولة عن أفعالها، وقد يواجه قادتها مسؤولية جنائية فردية بسبب توفير الحماية لإسرائيل أو استمرار تزويدها بالسلاح. ومع تزايد وعي القادة الغربيين بخطورة موقعهم القانوني، رأى أن على المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والدول المنضوية ضمن “الأغلبية العالمية” استخدام المحاكم الوطنية، والولاية القضائية العالمية، والضغط السياسي لوقف هذه الفظائع المتصاعدة ومنع ترسيخ مشروع قانون الإعدام.
في مداخلته، بدأ إريك وارسو بالإشارة إلى أنه رغم “وقف إطلاق النار الجزئي” في 10 أكتوبر، فإن الهجمات الإسرائيلية لم تتوقف، إذ قُتل 240 فلسطينيًا إضافيًا فوق الـ69 ألفًا الذين استشهدوا منذ 7 أكتوبر. وأكد أنه لا توجد هدنة حقيقية، بل مجرد فترة مؤقتة قبل أن يتصاعد العنف مجددًا، خصوصًا في ظل حكومة بنيامين نتنياهو، التي وصفها بأنها امتداد لأكثر من 75 عامًا من القمع المتواصل. وأوضح أن العنف الإسرائيلي لا يقتصر على فلسطين، بل يمتد ليشمل لبنان واليمن وسوريا ومناطق أخرى في الإقليم. وادّعى أن إسرائيل تمارس ليس فقط العدوان العسكري، بل تخريبًا اقتصاديًا متعمدًا، مستشهدًا بسوريا وليبيا كنماذج لاقتصادات كانت تعمل قبل التدخلات الخارجية. وبحسب رأيه، فإن إسرائيل تسعى بشكل منهجي إلى إضعاف القوة الاقتصادية والسياسية لدول الجوار للحفاظ على هيمنتها الإقليمية ومنع أي تحدٍ مستقبلي لها.
وتابع وارسو قائلًا إن هذه الأنماط من القمع والعدوان تفرض إعادة تقييم جذرية للمسلمات السياسية المتداولة. وأوضح أنه كان يرى سابقًا أن حل الدولتين هو الخيار الواقعي الوحيد، لكنه تخلّى بالكامل عن هذا الموقف بعد أحداث 7 أكتوبر، معتبرًا أن الحل القابل للحياة اليوم هو دولة فلسطينية واحدة وتفكيك كامل للاستعمار في المنطقة. وشكّك في “حق إسرائيل في الوجود في الشرق الأوسط”، مقترحًا — من وجهة نظره — إمكانية وجودها في مكان آخر، حتى أنه ذكر إمكانية نقلها إلى “أوبلاست روسية” sparsely populated كخيار بديل. ورأى أن الإبقاء على إسرائيل في موقعها الحالي، بالنظر إلى سجلها الطويل من العنف وزعزعة الاستقرار، هو موقف “ساذج وغير واقعي”، وأن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق ببقاء دولة — من وجهة نظره — تهاجم وتُخضع جيرانها بصورة دائمة.
وفي ختام حديثه، قال وارسو إن النفوذ الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة — سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا — أصبح مفرطًا، مؤثرًا في السياسة الأميركية والإعلام والتعليم والأعمال بطريقة وصفها بـ“العبثية”. وأشار إلى أن الفلسطينيين أنفسهم فقدوا الثقة بحل الدولتين، خوفًا من أن ينتهي بهم الأمر تحت حكم قيادة شكلية “دمية” على غرار محمود عباس، تُفرض أو تُدار بدعم خارجي. وحذّر من أن الفلسطينيين سيظلون خاضعين للقمع حتى في ظل دولة مستقلة اسميًا ما دامت قيادتها خاضعة لإسرائيل أو لأي قوة خارجية. وفي الجزء الأخير من مداخلته، وصف وارسو حركة حماس بأنها حركة مقاومة، واعتبر مقاتليها “أبطالًا” يدافعون عن شعبهم، متوقعًا أن التاريخ سيخلّدهم بشكل إيجابي بينما سيدين “الصهاينة” على ما ارتكبوه. واختتم بالقول إن ما يجري يفرض على العالم إعادة النظر جذريًا ليس فقط في سياسات إسرائيل، بل أيضًا في مكانها داخل المنطقة.
في مداخلته، استهل جيريمي كوربين، عضو البرلمان البريطاني، حديثه بالتوقف عند الطبيعة غير المسبوقة والتمييزية الصريحة في مشروع قانون الإعدام الذي تسعى إسرائيل لتمريره. وأشار إلى نقاش جرى بينه وبين أحد زملائه في البرلمان، قال فيه الأخير إنه لا يعرف أي تشريع في العالم يفرض عقوبة الإعدام على فئة معينة من الناس دون غيرها، وبشكل حصري، استنادًا إلى أعمال تنسب إليها ضد مجموعة أخرى. وردّ كوربين بأن هناك سابقة تاريخية تتمثل في قانون القبائل الإجرامية لعام 1871 الذي سنّه الاستعمار البريطاني في الهند، واعتُبر واحدًا من أبشع نماذج التفوق العرقي الاستعماري. ورأى أن مشروع القانون الإسرائيلي اليوم يعيد إنتاج المنطق الاستعماري ذاته، موجَّهًا بشكل حصري ضد الفلسطينيين، ويؤسس قانونيًا لنظام يقوم على التفوق العرقي والسيطرة.
وأكد كوربين أن هذا القانون لا يمكن فصله عن المسار السياسي الذي يقوده بنيامين نتنياهو، مشيرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية تدفع بقوة نحو مشروع “إسرائيل الكبرى” القائم على الاحتلال الدائم للضفة الغربية وغزة والتوسع نحو دول الجوار. ورفض كوربين الحديث عن خطوط وقف إطلاق النار في غزة كأساس للاستقرار، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار قد تم انتهاكه بالفعل، وأن إسرائيل تواصل احتلالها الواسع للقطاع إلى جانب القصف والاعتداءات اليومية. واعتبر أن مشروع القانون ليس سوى أداة إضافية لـ شرعنة الإبادة الجماعية وترسيخ عنف المستوطنين وإتاحة المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين.
وأشار كوربين إلى أن السياسة الوحيدة الثابتة للحكومة الإسرائيلية هي تعميق وتكثيف الاحتلال، وهو ما أكده أيضًا في حديثه مع عضو الكنيست اليساري أوفير كاسيف، الموقوف عن عمله بسبب دعمه لحقوق الفلسطينيين. وفي هذا السياق، شدد على أن الحملة العالمية المناهضة للسياسات الإسرائيلية باتت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا الجهود الهادفة إلى وقف نقل الأسلحة، وإنهاء التعاون العسكري والأمني، وفرض ضغوط اقتصادية حقيقية. وانتقد فشل الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل — وعلى رأسهم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي — في تبني عقوبات فعالة، رغم التعبئة الشعبية الواسعة التي اجتاحت أوروبا. وأشار إلى أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر عزلة سياسية في موقفها الداعم دون شرط لإسرائيل، في حين بدأت بعض الدول الأوروبية بالتحرك تحت ضغط الرأي العام.
وحذّر كوربين من أن الحديث عن “وقف إطلاق نار مزعوم” قد يدفع العالم إلى حالة خطيرة من التراخي، مؤكدًا ضرورة استمرار التركيز الدولي على غزة والضفة الغربية. ودعا إلى تضامن عالمي يركز على تقديم الدعم الإنساني العاجل، لكنه في الوقت ذاته يرسخ الهوية الفلسطينية وثقافتها وحق شعبها في البقاء. وأوضح أن حجم الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل منذ عام 2023 حرّك الرأي العام العالمي على نحو غير مسبوق، الأمر الذي خلق فرصًا جديدة لممارسة الضغط الدولي. وفي بريطانيا، جدّد التزامه بالعمل على وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ووقف التعاون الأمني، ووقف تصنيع مكونات طائرات F-35 في بريطانيا، والدفاع عن الحريات المدنية للناشطين الذين يُلاحقون بتهم تتعلق بالإرهاب بسبب مشاركتهم في احتجاجات داعمة لفلسطين.
وتحدث كوربين عن حضوره جلسات محاكمة ناشطين بريطانيين وُجهت إليهم تهم بموجب قوانين الإرهاب لمجرد حملهم لافتات لحركة “Palestine Action”، واصفًا الأمر بأنه “عبثي تمامًا”. وأشار إلى أن تأجيل محاكماتهم بشكل متكرر ربما يدل على أن الحكومة تتوقع خسارة معركتها القضائية المرتقبة حول صادرات السلاح إلى إسرائيل أمام المحكمة العليا. وانتقل كوربين بعد ذلك إلى اتفاقيات أبراهام محذرًا من أنها تُستخدم لتطبيع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والتغطية على الاحتلال والجرائم الجارية. وأبرز الدور الإقليمي لدول مثل الإمارات العربية المتحدة التي تشارك عسكريًا في السودان، متسائلًا عن طبيعة تنسيقها مع موردي الأسلحة الإسرائيليين. وأكد أن التضامن لا يجب أن يقتصر على الفلسطينيين فحسب، بل يجب أن يشمل أيضًا شعوب المنطقة التي تقاوم التطبيع.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا


























