أحالت نيابة أمن الدولة العليا الصحافي خالد ممدوح إلى المحاكمة الجنائية، على خلفية اتهامات تمثل نمطا متكررا في تعامل السلطات المصرية مع الأصوات المستقلة، يقوم على صياغة اتهامات فضفاضة وفبركة قضايا لإسكات أي رأي لا ينسجم مع الخطاب الرسمي.
ويواجه ممدوح اتهامات بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”تمويل جماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة”، وهي التهم ذاتها التي باتت تُستخدم كقوالب جاهزة ضد معارضين وصحافيين ومدافعين عن الحقوق.
وكانت قوات الأمن قد اعتقلت ممدوح من منزله في منطقة المقطم فجر 16 يوليو/تموز 2024، من دون إبراز إذن قضائي أو إبلاغ أسرته بجهة القبض، قبل أن يختفي قسرياً لأسبوع كامل، وهي ممارسة بات استخدامها شائعاً لإخضاع المعتقلين للاستجواب بمعزل عن أي رقابة قانونية أو قضائية. وبعد ظهوره في نيابة أمن الدولة، وُضع على ذمة القضية رقم 1282 لسنة 2024.
وكانت نقابة الصحافيين المصريين قد طلبت رسمياً من النائب العام الكشف عن مكان احتجاز ممدوح خلال فترة اختفائه، بناءً على شكوى أسرته التي أكدت أن عملية الاعتقال تمت فجراً وبطريقة تعسفية.
وذكرت لجنة الحريات في النقابة أن ممدوح يشغل منصب مدير تحرير في قناة “MBC مصر”، وله سجل مهني يمتد لسنوات، ولا تربطه أي نشاطات سياسية أو حزبية، ما يجعل توجيه تهم الإرهاب ضده استمراراً لنهج تحويل العمل الصحافي نفسه إلى “جريمة” تستوجب الملاحقة، مطالبة بالسماح الفوري لأسرته ومحاميه بالتواصل معه، بعد أن ظل محتجزاً لأسابيع دون أي ضمانات لحقوقه الأساسية.
ويعكس ملف خالد ممدوح مشكلة منهجية في منظومة العدالة المصرية، حيث تُستخدم تهم الإرهاب وتهمة “نشر الأخبار الكاذبة” كسلاح قانوني لتجريم العمل الإعلامي، عبر قوانين صيغت بعبارات فضفاضة تسمح بتمديد الحبس الاحتياطي، وفتح القضايا من دون أدلة مادية، ومن دون احترام لمعايير المحاكمة العادلة.
كما يدل توقيفه بالطريقة التي جرت (اقتحام فجري واختفاء قسري، ثم إدراج على ذمة قضية أمن دولة) على وجود بنية كاملة لإدارة الخصومة السياسية عبر الأجهزة الأمنية والقضائية، لا عبر القانون. ويأتي ذلك في سياق استمرار السلطات المصرية في هندسة قضايا جاهزة للتخلص من الأصوات الناقدة، سواء كانوا صحافيين أو معارضين أو مدونين أو مستخدمين عاديين لوسائل التواصل.
وتمثل إحالة خالد ممدوح إلى المحاكمة حلقة جديدة في سلسلة طويلة من استهداف الصحافيين، وتكشف عن إصرار السلطات على تحويل العمل الإعلامي إلى مخاطرة شخصية، وإبقاء البيئة الصحافية تحت التهديد الدائم.
وفي ظل استمرار استخدام القضاء كأداة للردع السياسي؛ يبقى مصير ممدوح وغيرِه مرهوناً بإرادة أمنية لا تُخضع نفسها لأي رقابة، ولا تُبدي استعداداً لوقف ممارساتها التي تُقوّض حرية التعبير والحق في الأمان الشخصي وضمانات المحاكمات العادلة.






























