بدأ الناشط الأردني أيمن صندوقة، أمس الأربعاء 3 ديسمبر/كانون الأول 2025، إضراباً مفتوحاً عن الطعام داخل مركز توقيفه في محافظة الطفيلة، وذلك احتجاجاً على “سابقة قانونية غير معهودة” بعد تراجع محكمة أمن الدولة عن السير بقرار محكمة التمييز في قضيته.
ويخوض صندوقة إضرابه في اليوم 713 على اعتقاله، في ظل استمرار غياب حكم قطعي منذ ما يقارب ثلاثة أشهر.
وكانت محكمة أمن الدولة قد أبلغت محامي صندوقة في وقت سابق بأنها ستسير على هدي قرار محكمة التمييز، الذي صنّف التهمة الموجّهة إليه على أنها جنحة أقصى عقوبتها ثلاث سنوات. إلا أن المحكمة تراجعت لاحقاً عن هذا المسار، وأصرّت على الحكم السابق بسجنه خمس سنوات مع الأشغال بعد إعادة تكييف التهمة، وهو ما أثار دهشة في الأوساط القانونية والحقوقية في الأردن، باعتبار أن هذه الخطوة تمثل خروجاً غير مألوف عن حجّية قرارات التمييز.
ووفق ما أفاد به ذووه؛ فإن صندوقة عبّر عن استيائه الشديد من هذا التراجع المفاجئ، خاصة بعد إبلاغ محاميه رسمياً بالتزام المحكمة بقرار التمييز، معتبرين أن استمرار حجزه دون حسم نهائي لقضيته يضاعف من معاناته ويتركه في “وضع قانوني معلّق” منذ أسابيع طويلة.
ووُجهت إلى صندوقة تهمة “التحريض على مناهضة الحكم السياسي” بموجب المادة 149 من قانون العقوبات الأردني، بعد أن كتب رسالة في منشور علني على حسابه الشخصي في منصة “فيسبوك” خاطب فيه الملك عبد الله الثاني بشكل مباشر منتقداً عدم اتخاذه قرارا بوقف اتفاقية “السلام” مع الاحتلال الإسرائيلي احتجاجا على المجازر التي يرتكبها في قطاع غزة.
وتكشف التطورات في محاكمة صندوقة عن إخلال جوهري بمبدأ الحجية المطلقة لقرارات محكمة التمييز، إذ إن التراجع عن قرار مُعلن بالسير على هدي حكم التمييز يقوّض أحد أعمدة النظام القضائي، وهو أن الاجتهاد النهائي الصادر عن أعلى محكمة هو المرجع الملزم الذي لا يجوز تجاوزه. ويُعتبر هذا الخلل مساساً مباشراً بمبدأ سيادة القانون وتدرّج المراجعات القضائية الذي يقوم عليه أي نظام عدلي مستقر.
كما أن استمرار توقيف صندوقة لما يزيد عن 700 يوم دون صدور حكم قطعي يثير إشكالاً قانونياً لا يمكن تجاهله، إذ يمسّ صراحة الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة، ويقرب إجراءات القضية من حدود الاحتجاز الممتد دون مسار تقاضٍ واضح. فالمماطلة في حسم الملف، وتقلب القرارات بين توصيفين مختلفين، يعكسان خللاً في انتظام العدالة ويضاعفان أثر التوقيف على المتهم.
إضافة إلى ذلك؛ فإن إعادة تكييف التهمة بعد أن حسمت محكمة التمييز وصفها القانوني تمثل نقطة خلافية عميقة، كونها تطرح سؤالاً حول مدى حدود السلطة التقديرية لمحكمة أمن الدولة، وأين ينتهي حقها في تفسير النص وأين يبدأ الالتزام القطعي بقرار أعلى جهة قضائية. فمجرد العودة إلى توصيف أشد بعد قرار نهائي يحدد الوصف الأخف يضعف الثقة في عدالة الإجراءات ويجعل من منطق سيادة التدرج القضائي أمراً شكلياً لا فعلياً.
وتكشف هذه الإشكالات مجتمعة أن مسار محاكمة صندوقة لا يعاني فقط من تأخير، بل من اختلالات بنيوية تطال جوهر العدالة الإجرائية، وهو ما دفعه، وفق مقربين منه، إلى اتخاذ خطوة الإضراب المفتوح تعبيراً عن فقدانه أي أفق واضح في إنهاء هذا التعليق القانوني الذي يعيشه منذ أشهر.





























