شهد سجن جمصة شديد الحراسة وفاة السجين السياسي المصري إبراهيم أحمد عبدالرحمن، المعروف بـ”أبو تسبيح”، بعد تدهور خطير في حالته الصحية، ظل خلاله محرومًا من الرعاية الطبية الكافية داخل محبسه.
وكان إبراهيم الذي تجاوز عمره الـ60 عاما، قد عانى خلال الشهرين الأخيرين من انسداد في المرارة تطورت مضاعفاته إلى ورم سرطاني، قبل أن يُنقل في مرحلة متأخرة إلى مستشفى المنصورة، حيث أُعلن عن وفاته.
ورغم تفاقم حالته، ظل داخل محبسه فترة طويلة دون الحصول على الرعاية الطبية الضرورية، قبل نقله في مرحلة متأخرة إلى مستشفى المنصورة حيث توفي هناك.
وكان يقضي الراحل حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً في القضية المعروفة إعلامياً بـ”حريق مجمع المحاكم” بالإسماعيلية، واعتقل منذ عام 2014 في سياق موجة من القضايا ذات الطابع السياسي التي طاولت مئات المعارضين عقب أحداث عام 2013.
وتكشف ملابسات وفاة إبراهيم عن مشكلة بنيوية داخل منظومة الاحتجاز، حيث يتكرر تأخير التشخيص والعلاج، ما يحوّل الأمراض القابلة للعلاج إلى حالات قاتلة.
ويشكل تزايد الوفيات داخل السجون المصرية خلال السنوات الأخيرة مؤشراً واضحا إزاء تدهور ظروف الاحتجاز وغياب الحد الأدنى من المعايير الصحية. فمنع السجناء المرضى من تلقي الفحوص المتخصصة، وتقليص الإحالات إلى المستشفيات، وحرمانهم من الأدوية الأساسية، كلها ممارسات باتت جزءاً من الواقع اليومي داخل العديد من مرافق الاحتجاز.
كما أن الاعتماد على مسكنات بسيطة بدلاً من التشخيص والعلاج المهني، والزحام الشديد، وضعف التهوية وسوء النظافة، تُفاقم الأخطار الصحية وتدفع بالسجناء، خصوصاً كبار السن والمرضى، نحو مصائر مأساوية.
وتحاول السلطات المصرية نفي وجود إهمال طبي، غير أن ما يتكشف من شهادات ومعلومات يعكس فجوة واسعة بين الرواية الرسمية والواقع الملموس. فغياب الرقابة المستقلة على السجون، ورفض تطبيق آليات الإفراج الصحي لأصحاب الأمراض الخطيرة أو المزمنة، وترك المرضى فترات طويلة دون تدخل طبي مناسب، تُعد خروقات جوهرية لمبادئ أساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتفرض المعايير الدولية، وفي مقدمتها القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، التزاماً واضحاً بضمان حق المحتجزين في الحصول على الرعاية الصحية المتكافئة مع المتاحة خارج السجون، بما يشمل الفحص الطبي الدوري، الوصول إلى الأطباء المتخصصين، وتلقي العلاج دون تأخير.
كما تضع هذه القواعد مسؤولية مباشرة على الدولة في حماية حياة الأشخاص الخاضعين لسلطتها، باعتبار أن الاحتجاز لا يسقط عنهم حقوقهم الأساسية وفي مقدمتها الحق في الصحة والحق في الحياة.
وتمثل وفاة إبراهيم عبد الرحمن حلقة ضمن سلسلة وفيات كان من الممكن تفاديها لو توفرت الرعاية الطبية المناسبة في الوقت المناسب، وتعيد فتح النقاش حول ضرورة إصلاح سياسات الاحتجاز في مصر جذرياً، وضمان رقابة مستقلة على السجون، وتفعيل آليات الإفراج الصحي، والالتزام الصارم بالمعايير الدولية التي تحظر بشكل واضح تعريض المحتجزين لأي شكل من أشكال المعاملة القاسية أو الإهمال الذي يهدد حياتهم.




























