كشف المنخفض الجوي العميق الذي ضرب قطاع غزة خلال أقل من 24 ساعة حجم الانهيار الإنساني الذي يعيشه السكان، بعد أن تسبب بوفاة 11 شخصاً وإصابة آخرين، وخلّف سلسلة واسعة من الانهيارات والغرق في مختلف مناطق القطاع المكتظ بالنازحين.
ففي شمال القطاع؛ أدى انهيار منزل يضم نازحين في منطقة بئر النعجة ببيت لاهيا إلى وفاة خمسة مواطنين وإصابة آخرين، في حادث يعكس حجم المخاطر التي يتعرض لها عشرات الآلاف ممن اضطروا للسكن في مبانٍ متصدعة فقدت قدرتها على الصمود بعد شهور طويلة من القصف ونقص الصيانة.
وفي غرب مدينة غزة، لفظ مواطنان أنفاسهما بعد سقوط حائط ضخم على خيام للنازحين في حي الرمال، بينما قضت طفلة بسبب البرد القارس في المدينة ذاتها، ولحق بها رضيع في مخيم الشاطئ، في مشهد يجسد انعدام وسائل التدفئة والملاذ الآمن للأطفال الذين يُفترض أنهم الفئة الأكثر حماية في أي ظرف.
وخلال اليوم السابق؛ توفي مواطن آخر إثر انهيار جدار في مخيم الشاطئ، فيما أصيب طفلان بعد سقوط خيمتهما في “مخيم أبو جبل” بمنطقة العمادي.
كما أدى البرد الشديد إلى وفاة رضيعة داخل خيمة في منطقة المواصي بخان يونس، في تكرار مأساوي للوفيات الناتجة عن الظروف المناخية القاسية التي يتحول معها الشتاء في غزة إلى تهديد مباشر للحياة.
وأكدت طواقم الدفاع المدني، التي تعمل بإمكانات شبه معدومة، انهيار ما لا يقل عن 10 منازل خلال الساعات الماضية، كان آخرها منزلان في حي الكرامة وحي الشيخ رضوان، إضافة إلى إجلاء سكان منازل أخرى بعد انهيار مداخلها أو تعرضها للتصدع، في وقت تُعتبر فيه القدرة على الإخلاء السريع ترفاً لا تتيحه البنية التحتية المنهكة أو الشوارع الغارقة.
كما غرقت مخيمات كاملة للنازحين في المواصي بخان يونس، وتضررت مناطق واسعة في البصة والبركة بدير البلح، والسوق المركزي في النصيرات، إلى جانب اليرموك والميناء في مدينة غزة، حيث تحولت تجمعات الخيام إلى مستنقعات لا تصلح للعيش البشري.
ولا يمكن التعامل مع ما يجري في غزة ككوارث طبيعية معزولة؛ فالأضرار التي سبّبها المنخفض الجوي جاءت لتكشف هشاشة البنية المدنية، وانعدام الملاجئ الآمنة، وغياب شروط الحماية الأساسية التي يُفترض أن يتمتع بها السكان في أي منطقة تخضع للقانون الدولي.
فوفاة الأطفال بسبب البرد، وانهيار المنازل على رؤوس ساكنيها، وغرق مخيمات النازحين، ليست حوادث عابرة، بل انتهاكات لحق أساسي هو الحق في الحياة والسلامة الجسدية، ولحقوق أخرى، أبرزها الحق في السكن الملائم، والحماية في أوقات النزاعات، والحصول على الرعاية الصحية ووسائل البقاء الأساسية.
كما يسلّط هذا الواقع الضوء على مسؤوليات قانونية واضحة، فحماية المدنيين ليست خياراً، وتوفير بيئة آمنة لهم خلال الحرب والتهجير ليس عملاً إغاثياً اختيارياً، بل التزام تفرضه قواعد القانون الإنساني الدولي. وحين يجد المواطن نفسه محاصراً بين القصف من جهة والكوارث المناخية من جهة أخرى، بلا بنية تحتية، ولا ملجأ، ولا تدفئة، ولا منظومة إنقاذ فعالة، فهذا يعني أن قواعد الحماية قد انهارت بالكامل.




























