عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة لتسليط الضوء على استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة، رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار. وركّزت الندوة على الواقع الميداني بعد هذا الاتفاق المزعوم، حيث لم تتوقف الانتهاكات، واستمر الحصار والتجويع ومنع دخول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، في ظل تدهور إنساني غير مسبوق، واستمرار استهداف المدنيين ومقومات الحياة الأساسية، بما يعكس زيف الخطاب السياسي حول التهدئة والسلام.
شارك في الندوة نخبة من البرلمانيين والحقوقيين والنشطاء والمحللين السياسيين من خلفيات متنوعة، وهم: شوكت آدم، عضو البرلمان البريطاني؛ ريتشارد بويد باريت، عضو البرلمان الإيرلندي؛ ريتشارد فولك، أستاذ أميركي وناشط ومدافع عن حقوق الإنسان؛ الحاخام يسروئيل دوفيد فايس، ناشط يهودي مناهض للصهيونية ومتحدث باسم جماعة «ناطوري كارتا» العالمية؛ الدكتور فرانك رومانو، ناشط دولي في مجال حقوق الإنسان وعضو في «أسطول الحرية إلى غزة» (حنظلة) يوليو 2025؛ أليشيا كوتسولييريس، مديرة الاتصالات في منظمة «شركاء من أجل فلسطين»؛ بوكر نغيسا أومولي، ناشط سياسي كيني؛ وغاكونا نجيما كاسترو، كاتب ومحلل سياسي كيني.
في مداخلته، شدّد النائب الأيرلندي ريتشارد بويد باريت على ضرورة تفكيك الرواية السياسية الزائفة التي يجري الترويج لها، ولا سيما من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حول وجود “وقف إطلاق نار” أو “اتفاق سلام” في غزة. وأوضح أن ما يجري على الأرض لا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال بوقف إطلاق نار حقيقي، مشيرًا إلى أن ما حدث هو مجرد انخفاض نسبي في مستوى المجازر، في حين قُتل ما يُقدَّر بنحو 400 شخص وأُصيب أكثر من ألف آخرين منذ الإعلان عن هذا “الوقف” المزعوم. وأكد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل عملياتها العسكرية اليومية، بما في ذلك قصف المباني، واستهداف الجهات التي تحاول إيصال المساعدات، وخرق الخطوط المعلنة، ومنع التدفق الطبيعي للمساعدات الإنسانية، في ظل كارثة إنسانية شاملة يصعب استيعاب حجمها.
وأشار إلى أن قطاع غزة كان، بشهادة الأمم المتحدة نفسها، يعيش حالة كارثة إنسانية دائمة حتى قبل بدء الإبادة الجماعية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، موضحًا أن ما تلا ذلك فاق كل تصور. فحوالي 90% من المباني السكنية إما دُمّرت أو تضررت، والنظام الصحي في غزة جرى تدميره أو تعطيله بشكل شبه كامل، إضافة إلى تدمير البنية التحتية للمياه، والمدارس، والجامعات، وكل ما يضمن الحد الأدنى من مقومات الحياة. ولفت إلى أن الاحتلال لا يزال يمنع دخول المساعدات التي قد تخفف من هذه المأساة، في وقت تؤدي فيه الأمطار والسيول إلى انهيار المباني المتضررة أصلًا، ما يفاقم معاناة النازحين الذين يعيشون في خيام ومخيمات مكتظة. وخلص إلى أن ما يجري هو استمرار لحملة إبادة جماعية بوتيرة مختلفة، مؤكدًا أن إسرائيل لا تُظهر أي نية حقيقية لتحقيق سلام عادل أو معقول.
وفي تحليله لأسباب الإعلان عن “وقف إطلاق النار”، أوضح باريت أن هذا الإعلان لم يكن نتيجة مساعٍ دبلوماسية حقيقية، بل جاء تحت ضغط مزدوج: صمود الشعب الفلسطيني ورفضه القاطع للتطهير العرقي، والانتفاضة العالمية المتصاعدة التي فضحت الاحتلال وعرّت داعميه في الغرب. وأكد أن هذا الحراك الشعبي العالمي هو ما أجبر الحكومات الغربية، بما فيها إدارة ترامب، على محاولة تخفيف حدة المشهد أو تقديم انطباع زائف بتحسن الأوضاع. وفي ختام كلمته، طرح باريت دعوة واضحة للتحرك، مشيرًا إلى مشروع قانون قدّمه في البرلمان الإيرلندي يدعو إلى فرض عقوبات شاملة على إسرائيل وقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية معها، استنادًا إلى الالتزامات القانونية للدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. وشدد على أن ما يجب فعله اليوم هو ما فُعل سابقًا مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا: العزل الكامل للنظام الإسرائيلي حتى إنهاء الاحتلال، ووقف الإبادة، وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مؤكدًا أن تصاعد الضغط الشعبي العالمي هو نقطة الأمل الأساسية في هذا المشهد القاتم.
في بداية كلمته وصف ريتشارد فولك المرحلة الراهنة بأنها نموذج لـ«الدبلوماسية الزائفة»، مشيرًا إلى أن التحركات السياسية الأخيرة أسهمت في صرف انتباه الإعلام والرأي العام الدولي عن السياسات الإسرائيلية القمعية والمستمرة بحق الشعب الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة. وأوضح أن الانخفاض النسبي في وتيرة القصف الجوي والمدفعي لا يعني بأي حال وجود وقف حقيقي لإطلاق النار، مؤكدًا أن الفلسطينيين في غزة ما زالوا يعيشون حالة من الهشاشة الكاملة، ويتعرضون لهجمات إسرائيلية متكررة تُفرغ كل الادعاءات المتعلقة بالتهدئة أو مسار السلام من مضمونها. واعتبر أن ما يُروَّج له كعملية دبلوماسية ليس سوى غطاء لاستمرار العدوان، ويخدم في جوهره مشروعًا إسرائيليًا يستهدف محو فلسطين، لا إنهاء الحرب.
وأشار فولك إلى أن السياسات الإسرائيلية يجب أن تُفهم ضمن إطار أوسع يقوم على التوسع والضم وفرض الهيمنة اليهودية، تحت مسميات أمنية مضللة. ولفت إلى أن مفهوم «إسرائيل الكبرى» ليس سوى تعبير مشفّر عن أهداف ضمٍّ واضحة تسعى إلى الاستحواذ على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع تقليص الوجود الفلسطيني إلى الحد الأدنى. وأكد أن تراجع مستوى العنف العسكري المباشر لا يعني انتهاء الإبادة، بل انتقالها إلى أدوات أخرى، في وقت تُفاقم فيه ظروف الشتاء القاسية في غزة، وسوء المأوى، وانعدام الحماية، من معاناة المدنيين، وتؤدي إلى وفيات يومية بين الفلسطينيين. كما وجّه انتقادًا حادًا للأمم المتحدة، واصفًا مصادقة مجلس الأمن بالإجماع على المقاربة التي رُوّج لها سياسيًا بأنها لحظة مخزية تُكافئ الجاني وتعاقب الضحية، وتكرّس الإفلات من المساءلة.
واختتم فولك مداخلته مشددًا على أن ما يجري لا يمثل فقط كارثة إنسانية متفاقمة، بل أزمة عميقة في النظام الدولي نفسه، حيث تصطف المؤسسات التي يُفترض أن تحمي القانون والعدالة إلى جانب نتائج الإبادة الجماعية. وأشار إلى أن إسرائيل باتت دولة منبوذة في نظر شعوب العالم، رغم استمرار دعمها وحمايتها من قبل القوى الغربية. واستحضر مقارنة تاريخية صادمة، معتبرًا أن المشهد الراهن يُشبه منح الناجين من النازية سلطة تقرير مستقبل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. كما لفت إلى البعد الحضاري للصراع، موضحًا أن الدعم لإسرائيل يتركز في الدول الغربية، بينما تحظى القضية الفلسطينية بتأييد واسع في دول الجنوب العالمي. واختتم بدعوة واضحة إلى تصعيد دور المجتمع المدني العالمي في المقاومة والضغط والتضامن، مؤكدًا أن إقصاء الفلسطينيين بالكامل عن تقرير مصيرهم يُبقي المنطقة في حالة انهيار أخلاقي وسياسي مستمر، ويحول دون أي أفق لسلام عادل ومستدام.
في كلمته، وجّه شوكت آدم انتقادًا حادًا لموقف الحكومة البريطانية، واصفًا إياه بأنه مسار متواصل من التقاعس السياسي منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، مرورًا بالمجازر الواسعة النطاق، ووصولًا إلى ما سُمّي بوقف إطلاق النار. وأكد أن هذا الموقف لا يعكس إرادة قطاعات واسعة من الرأي العام البريطاني، مشيرًا إلى أن الحكومات المتعاقبة، ولا سيما الحكومة العمالية الحالية التي عُقدت عليها آمال أكبر، فشلت فشلًا ذريعًا في اتخاذ أي خطوات فعلية لمحاسبة إسرائيل أو وقف جرائمها. ولفت إلى أن الخطاب الرسمي البريطاني يكتفي بترديد عبارات القلق والانزعاج، دون أن تُترجم هذه التصريحات إلى أي إجراءات ملموسة، ما يشكل غطاءً سياسيًا مستمرًا لاستمرار قتل المدنيين الفلسطينيين.
وأوضح آدم أن الحكومة البريطانية لم تبادر حتى إلى أبسط أشكال المساءلة، مثل استدعاء السفيرة الإسرائيلية لمساءلتها حول التصريحات التحريضية والانتهاكات الجارية، فضلًا عن غياب أي نية لفرض عقوبات اقتصادية أو ثقافية أو دبلوماسية. واستحضر نقاشًا برلمانيًا سابقًا أبلغه فيه وزير الخارجية آنذاك، ديفيد لامي، بأن فرض عقوبات على إسرائيل يُعد “مكلفًا للغاية”، ليؤكد أن المنطق ذاته استُخدم تاريخيًا لتبرير إطالة أمد العبودية. واعتبر أن ما يُروَّج له كوقف لإطلاق النار ليس سوى وقف أحادي الجانب، بينما يواصل الاحتلال هجماته، ويمنع دخول المساعدات، ويحظر وصول وسائل الإعلام، في حين يجري التعامل مع غزة داخل البرلمان البريطاني باعتبارها قضية هامشية، رغم حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة.
وانتقل آدم إلى الوضع في الضفة الغربية، واصفًا إياه بالمروّع، مشيرًا إلى مقتل أكثر من ألف فلسطيني منذ بدء العدوان، وإصابة المئات خلال الأشهر الأخيرة، بمن فيهم أوروبيون كانوا يزورون المنطقة. واستعرض مشاهداته الشخصية خلال زيارته للضفة الغربية، حيث تحدّث عن إغلاق مدن كاملة تضم عشرات الآلاف من السكان دون أي مبرر، وتهجير سكان المخيمات، والاعتداءات المتكررة على المدنيين. وأكد أن الاحتلال يستهدف جميع جوانب الحياة الفلسطينية، من التعليم إلى العبادة، ومن الثقافة إلى الغذاء، في سياسة ممنهجة تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني برمّته، في ظل ردود رسمية بريطانية تكتفي بالتصريحات دون أفعال.
وفي ختام مداخلته، حذّر آدم من أن القمع لم يعد يطال الفلسطينيين وحدهم، بل امتد ليشمل المتضامنين معهم داخل بريطانيا، متناولًا قضية المضربين عن الطعام وما واجهوه من تجاهل وسخرية داخل البرلمان. وأشار إلى أن حقوق المواطنين البريطانيين أنفسهم باتت مهددة، في ظل محاولات لتجريم الشعارات السياسية والتضييق على حرية التعبير والاحتجاج. وخلص إلى أن ما يحدث في غزة من تدمير للحياة والكرامة يتوازي مع تآكل الحقوق والحريات داخل بريطانيا، مؤكدًا أن الأمل لا يزال قائمًا بفضل استمرار نضال برلمانيين وأصوات شعبية ترفض الصمت وتصرّ على مقاومة الظلم والمطالبة بالمحاسبة.
في مداخلته، أكد الدكتور فرانك رومانو أن الاحتلال الإسرائيلي لم يُبدِ في أي مرحلة نية حقيقية لإنهاء الحرب على غزة، مستشهدًا بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، الذي أعلن صراحة أن الحرب لن تتوقف قبل “تدمير حماس”. وشدّد على أن محاولات الولايات المتحدة تلطيف هذا الموقف أو إعادة تسويقه دبلوماسيًا لا تغيّر من جوهر الحقيقة، وهي أن نتنياهو لا ينوي الانسحاب من غزة أو الالتزام بوقف إطلاق النار إلا إذا فُرض عليه ذلك بالقوة. وأوضح أن إسرائيل شاركت في صياغة اتفاق وقف إطلاق النار، في الوقت الذي كانت تنتهكه بشكل منهجي، في انسجام تام مع سجلها الطويل في خرق الاتفاقات السابقة، بما في ذلك اتفاقات وقف إطلاق النار مع لبنان.
واستعرض رومانو بنود اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في منتصف يناير، موضحًا أنه كان من المفترض أن يُنفّذ عبر ثلاث مراحل: الأولى تشمل تبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية، والثانية إقرار وقف دائم لإطلاق النار مع تبادلات إضافية، والثالثة الإفراج عن رفات الأسرى الإسرائيليين وبدء إعادة إعمار غزة. إلا أنه أشار إلى أن الاحتلال احتفظ بالسيطرة على نحو 58% من مساحة القطاع، وواصل انتهاك الاتفاق بشكل واسع. وذكر أن إسرائيل خرقت وقف إطلاق النار مئات المرات، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 400 فلسطيني وإصابة أكثر من ألف آخرين، إلى جانب استمرار العمليات العسكرية في مناطق يُفترض أن تكون قد انسحبت منها.
وفيما يتعلق بالوضع الإنساني، شدّد رومانو على أن الاحتلال انتهك بشكل صارخ التزاماته المتعلقة بإدخال المساعدات، مشيرًا أنه قبل السابع من أكتوبر، كان يدخل إلى غزة نحو 500 شاحنة مساعدات يوميًا، بينما نص الاتفاق على إدخال 600 شاحنة يوميًا بعد وقف إطلاق النار، إلا أن ما يصل فعليًا لا يتجاوز 39% من هذا الرقم. واستشهد بتقارير الأمم المتحدة التي تحذر من أن عشرات الآلاف من الأطفال تضرروا جراء العواصف الشتوية في ظل غياب المأوى اللائق، فيما يواصل الاحتلال منع دخول مستلزمات الشتاء الأساسية. وأكد أن هذا الحرمان ليس عرضيًا، بل جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى إحكام السيطرة على غزة عبر التجويع والخنق الإنساني.
وفي تحليله لأسباب استمرار إسرائيل في خرق وقف إطلاق النار دون رادع، حمّل رومانو المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة وألمانيا، مسؤولية مباشرة عن هذا الإفلات من العقاب، بسبب استمرار تزويد إسرائيل بالسلاح وتوفير الغطاء السياسي لها. وأشار إلى قرار ألمانيا رفع القيود عن تصدير الأسلحة لإسرائيل بذريعة “استقرار وقف إطلاق النار”، معتبرًا أن مثل هذه القرارات تُضفي شرعية على استمرار العدوان. كما أوضح أن الاحتلال يعتمد استراتيجية متكررة تقوم على اختلاق ذرائع وهمية لاستئناف الهجمات خلال فترات التهدئة، سواء عبر ادعاءات غير مثبتة عن إطلاق نار أو نشاط للمقاومة، أو عبر عرقلة تنفيذ بنود الاتفاق ثم تحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية الفشل. واختتم بالقول إن هذا النمط يؤكد أن إسرائيل لم تكن تنوي الالتزام بوقف إطلاق النار منذ البداية، وأن هدفها النهائي هو الإبقاء على السيطرة الكاملة على غزة، ضمن سياسة توسعية أوسع في المنطقة، لن تتوقف إلا بفرض المحاسبة والضغط الدولي الجاد.
في مداخلته، شدّد الحاخام يسروئيل دوفيد فايس على أن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني لا تمتّ بصلة إلى اليهودية، رافضًا بشكل قاطع محاولات توظيف الدين لتبرير القتل والدمار في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأوضح أن ما يجري يتجاوز القصف المباشر ليشمل تدميرًا نفسيًا وبنيويًا ممنهجًا، حيث يُترك المدنيون لمواجهة البرد القارس، والفيضانات، وانعدام المأوى، في ظروف قاتلة تُفضي إلى الموت والمعاناة طويلة الأمد، لافتًا أن الفلسطينيين لا يُقتلون بالقنابل فقط، بل أيضًا بسياسات التجويع، والحرمان، والتشريد المتعمّد، في ظل صمت دولي مريب.
وأشار فايس إلى أن الاحتلال يعتمد بشكل ممنهج على نزع إنسانية الفلسطينيين وتضليل الرأي العام العالمي، من خلال استدعاء سرديات انتقائية لتبرير الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي، في مقدمتها التذرّع المستمر بأحداث السابع من أكتوبر. ولفت إلى أن هذا الخطاب يُستخدم للتغطية على جرائم جسيمة، من بينها قتل الأطفال، واعتقال الأطباء، ورؤساء المستشفيات، وتعذيبهم حتى الموت، وتدمير المنظومة الصحية بالكامل، معتبرًا أن هذه الممارسات تُظهر بوضوح غياب أي التزام بالقانون أو القيم الإنسانية، وليس لها علاقة بما يُسمّى “الدفاع عن النفس”.
وفي كلمته الختامية، وجّه فايس انتقادًا لاذعًا للمجتمع الدولي، واصفًا صمته إزاء ما يجري في غزة وفلسطين منذ عقود بأنه إهانة للإنسانية جمعاء. ورفض الخلط المتعمّد بين اليهودية والصهيونية، مؤكدًا أن هذا التزييف يُستخدم كأداة لإسكات الأصوات المنتقدة للاحتلال، ولحماية مشروع سياسي عنصري من المساءلة. وشبّه الوضع القائم بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مشددًا على أن الاحتلال الإسرائيلي، مثل الفصل العنصري، لا يمكن أن يستمر إلا بفضل الترهيب والصمت الدولي. واختتم بدعوة واضحة إلى كسر حاجز الخوف، ورفض الاتهامات الزائفة، ومواجهة الاحتلال بوصفه نظامًا فاسدًا وعنيفًا لا يملك أي شرعية قانونية أو أخلاقية، مؤكدًا أن لحظة التحرك هي الآن، قبل أن يُزهق المزيد من الأرواح البريئة.
في مداخلته، قدّم الناشط الكيني بوكر نغيسا أومولي قراءة سياسية من منظور أفريقي، مؤكدًا أن التضامن مع الشعب الفلسطيني في القارة الأفريقية ينبع من تجربة تاريخية مشتركة مع الاستعمار الاستيطاني. وأوضح أن الشعوب الأفريقية التي عانت من الاستعمار تفهم بعمق ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم، معتبرًا أن ما يجري في فلسطين ليس صراعًا دينيًا كما روّجت الدعاية الصهيونية لعقود، بل مشروع استيطاني إحلالي يقوم على طرد السكان الأصليين وتجريدهم من إنسانيتهم، ثم تصوير الضحايا بوصفهم “إرهابيين” والجناة بوصفهم “ضحايا”. وأشار إلى أن هذه الرواية المضللة انتشرت في أفريقيا لفترة طويلة بفعل الدعاية الإعلامية الغربية والشركات الكبرى، قبل أن تتكشف حقيقتها بشكل أوسع في السنوات الأخيرة.
وأكد أومولي أن ما يُسمّى بوقف إطلاق النار لا يمكن الوثوق به، لأنه جزء من سياسة خداع تقودها الصهيونية بدعم مباشر من الولايات المتحدة والكتلة الغربية الرأسمالية، مشددًا على أن الهدف لم يكن أبدًا تحقيق سلام عادل أو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. ولفت إلى أن الاحتلال، حتى بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، واصل منع دخول المعدات الثقيلة اللازمة لإعادة الإعمار، ما اضطر الأطفال الفلسطينيين إلى البحث عن مأوى بأيديهم العارية وسط الدمار. واعتبر أن ما يحدث في غزة ليس مجرد نتاج سلوك فردي لنتنياهو، بل هو انعكاس مباشر لأزمة أوسع تقودها الإمبريالية الأميركية، التي تستخدم المشروع الصهيوني أداةً لترسيخ نفوذها في غرب آسيا، وتربط أي “سلام” بالحفاظ على مصالحها وهيمنتها في المنطقة.
كما شبّه أومولي ما يجري في فلسطين بتجارب الاستعمار الاستيطاني في أميركا الشمالية وأستراليا، حيث جرى إبادة السكان الأصليين وفرض واقع استعماري بالقوة، محذرًا من أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تكرار النموذج ذاته في فلسطين. وأكد أن الحديث عن حلول سياسية، سواء دولة واحدة أو دولتين، يبقى فارغًا ما دام الاحتلال يرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة حقيقية، ويواصل تحويل غزة إلى سجن مفتوح، ويسعى إلى دفع الفلسطينيين نحو التهجير القسري خارج وطنهم.
واختتم بالتأكيد على وقوف الحركات التقدمية والأحزاب والقوى الشعبية في أفريقيا، ومن بينها حركة التضامن الكينية مع فلسطين، إلى جانب الشعب الفلسطيني دون شروط، معتبرًا أن فلسطين تمثل الحلقة الأضعف في مشروع الهيمنة الأميركية، وأن نضال الشعوب ضد الاستعمار والإمبريالية هو الطريق الحتمي نحو تحرير فلسطين، مؤكدًا أن التاريخ سيحاكم المتواطئين، وأن الشعب الفلسطيني سينتصر في النهاية.
في كلمتها، وضعت الباحثة أليشيا كوتسولييريس الإبادة الجماعية الجارية في غزة ضمن سياق زمني أوسع من التدمير الممنهج، مذكّرة بأن الأمم المتحدة حذّرت منذ عام 2012 من أن غزة ستصبح غير صالحة للحياة بحلول عام 2020 إذا لم تتحسّن الأوضاع جذريًا. وأكدت أن هذا التحذير سبق بسنوات بدء المرحلة الحالية من الإبادة، ما يثبت أن القطاع كان يرزح أصلًا تحت أزمة إنسانية مُصنَّعة قبل السابع من أكتوبر. واستشهدت بتقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022 الذي صنّف إسرائيل دولة فصل عنصري، موضحة أن السلطات الإسرائيلية استخدمت معادلات حسابية لتحديد الحد الأدنى من الغذاء المسموح بدخوله إلى غزة—كمية تكفي بالكاد للبقاء على قيد الحياة، لا للعيش بكرامة—ما يكشف عن سياسة متعمدة للتجويع والتحكم بالسكان.
ورفضت كوتسولييريس تصوير السابع من أكتوبر كنقطة بداية، معتبرةً إياه ردًّا على عقود من القمع الواقع على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة. ومع تأكيدها أن فقدان الأرواح مأساة في جميع الأحوال، شددت على الاختلال الفادح في ميزان العنف، مشيرة إلى استشهاد أكثر من 70 ألف فلسطيني خلال الإبادة، مقابل نحو ألفي قتيل إسرائيلي منذ بدء الصراع.
كما وصفت ما يجري بأنه عقاب جماعي ممنهج، يتجلى في استهداف أماكن اللجوء والمخيمات والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. ولفتت إلى أن فلسطين تضم مجتمعات مسيحية عريقة، وأن الهجوم طال حياة المسيحيين وتراثهم أيضًا، في تناقض صارخ مع ادعاءات سياسيين غربيين يتحدثون عن “قيم مسيحية” بينما يغضّون الطرف عن قتل المسيحيين في غزة والضفة. كما وثّقت حجم الاستهداف المدني بذكر مقتل قرابة 250 صحفيًا، وأكثر من 100 أكاديمي، وما يزيد على 200 عامل إغاثة، ونحو 200 موظف أممي—وهم أشخاص لم يحملوا السلاح، بل أدّوا أدوارًا إنسانية وتوثيقية.
وفي ختام مداخلتها، قدّمت كوتسولييريس دعوة واضحة للتحرك، ركّزت فيها على التعليم والمناصرة السياسية، لا سيما داخل الولايات المتحدة. وأكدت أن الجهل المزمن بحقائق فلسطين أسهم في استمرار الإفلات من العقاب، وأن وسائل التواصل الاجتماعي باتت أداة حاسمة لكسر الروايات الموجّهة ونقل شهادات الضحايا لحظة بلحظة. ودعت إلى تحويل الوعي إلى ضغط فعّال على المسؤولين المنتخبين، مذكّرة بأن أموال دافعي الضرائب الأميركيين—التي تبلغ مليارات الدولارات سنويًا—تُستخدم مباشرة لتمكين العنف تحت ذريعة “الأمن”. وحذّرت من أن الدعم غير المشروط لإسرائيل لم يدمّر المجتمع الفلسطيني فحسب، بل غذّى أيضًا تداعيات مؤذية طالت مجتمعات يهودية حول العالم. واختتمت بالتأكيد على أن أمام المسؤولين خيارًا واضحًا: الوقوف في صف العدالة والتاريخ، أو تحمّل المساءلة السياسية والشعبية عن التواطؤ في الإبادة الجماعية والجرائم واسعة النطاق.
في مداخلته، تناول الكاتب الكيني غاكونا نجيما كاسترو استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة من زاوية سياسية وإنسانية، معتبرًا أن ما يُسمّى بوقف إطلاق النار لا يزال هشًا وفاقدًا لأي ضمانات حقيقية، في ظل تكرار الخروقات العسكرية والاتهامات المتبادلة، واستمرار العمليات الإسرائيلية على الأرض. وأشار إلى أن غياب رؤية واضحة لدى الحكومة الإسرائيلية بشأن مستقبل غزة أو فلسطين عمومًا—سواء في إطار دولة واحدة أو دولتين—يعكس سياسة غموض متعمدة تهدف إلى إبقاء السيطرة قائمة، لا إلى الوصول إلى حل سياسي عادل. وأكد أن استمرار الحرب لأكثر من عامين، ثم الإعلان عن وقف إطلاق نار مؤقت، لم يُترجم إلى حماية فعلية للمدنيين أو احترام لحقهم في الحياة.
وسلّط كاسترو الضوء على الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها سكان غزة، لا سيما في ظل الظروف المناخية القاسية، حيث أدّت الأمطار والسيول إلى انهيار منازل ومبانٍ متضررة أصلًا من القصف. واعتبر أن مواصلة الاحتلال عملياته العسكرية ومنعه الالتزام الحقيقي بوقف إطلاق النار يشكّل انتهاكًا صارخًا للإنسانية ولأبسط الحقوق، محذرًا من أن النساء والأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من هذا الواقع المركّب الذي يجمع بين العنف العسكري والضغط السياسي والتدهور البيئي. كما أشار إلى أن تعطيل وصول المساعدات الإنسانية—بما في ذلك الغذاء والخدمات الصحية—يُعد جزءًا من سياسة ممنهجة لإبقاء الفلسطينيين في حالة إنهاك دائم، رغم أن إدخال المساعدات يُفترض أن يكون أحد الأسس الجوهرية لأي اتفاق تهدئة.
وفي تحليله للدور الدولي، انتقد كاسترو عجز الأمم المتحدة عن أداء دورها كوسيط نزيه وضامن لوقف إطلاق النار، معتبرًا أن التدخلات السياسية أفقدتها قدرتها على حماية المدنيين أو فرض الالتزامات على الطرف المعتدي. وأشار إلى أن الانطباع السائد لدى الرأي العام العالمي هو وجود تماهٍ شبه كامل بين السياسات الإسرائيلية والأميركية، ما يقوّض أي مسار تفاوضي متوازن ويمنح الاحتلال شعورًا دائمًا بالتفوق والإفلات من المحاسبة. وخلص إلى أن غياب آليات إنفاذ حقيقية، واستمرار انحياز القوى الكبرى، ينذر بانهيار أي تهدئة مستقبلية، مؤكدًا أن إنهاء هذا المسار الدموي يتطلب الاستماع إلى أصوات الشعوب، ودعم الفاعلين المستقلين، ومواجهة الاحتلال بسياسات دولية جادة تضع حدًا لانتهاكاته المستمرة وتعيد الاعتبار لحق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة.























