تواصل السلطات السعودية احتجاز الداعية وأستاذ الفقه المقارن الدكتور قشمير محمد القرني منذ منتصف عام 2022، دون إعلان رسمي عن أسباب اعتقاله، ودون الإفصاح عن مكان احتجازه أو وضعه القانوني، ما يثير مخاوف حقوقية جدية تتعلق بالاعتقال التعسفي واحتمال تعرّضه للاختفاء القسري.
ويُعد الدكتور القرني من الأكاديميين المعروفين في مجال الفقه المقارن، ويحمل درجة الدكتوراه، وله إسهامات علمية واسعة داخل المملكة وخارجها، إضافة إلى مئات المحاضرات والخطب والدروس الشرعية المسجّلة. كما شغل سابقاً منصب إمام وخطيب مسجد باصبرين في مدينة جدة، وكان أحد مشايخ قناة “زاد” الفضائية ذات الطابع العلمي والدعوي.
ومنذ لحظة اعتقاله، لم تُعلن أي جهة رسمية عن التهم الموجّهة إليه، ولم يُعرف ما إذا كان قد عُرض على جهة قضائية مختصة، أو ما إذا أُتيح له التواصل مع محامٍ أو مع عائلته، الأمر الذي يضع قضيته ضمن دائرة الاحتجاز خارج إطار الضمانات القانونية الواجبة.
ويخالف هذا النمط من الاحتجاز جملة من المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حظر الاعتقال التعسفي، ووجوب إبلاغ المحتجز بأسباب توقيفه فوراً، وتمكينه من الطعن في قانونية احتجازه أمام جهة قضائية مستقلة.
كما يُعد إخفاء مكان الاحتجاز أو الامتناع عن الكشف عن مصير المحتجز انتهاكاً جسيماً، قد يرقى إلى مستوى الاختفاء القسري، وهو محظور بصورة مطلقة في القانون الدولي.
ويشكل احتجاز شخص بسبب نشاطه العلمي أو الدعوي السلمي مساساً مباشراً بحرية الرأي والتعبير، وحرية الفكر والاعتقاد، وهي حقوق أساسية لا يجوز تقييدها إلا في أضيق الحدود ووفق معايير الضرورة والتناسب، وبموجب قانون واضح وإجراءات قضائية عادلة.
كما أن حرمان المحتجز من الضمانات الأساسية، مثل الحق في محاكمة عادلة، والحق في معرفة التهم، والحق في الدفاع، يقوّض مبدأ سيادة القانون، ويفتح الباب أمام إساءة استخدام السلطة التنفيذية لأدوات التوقيف والعقاب خارج الرقابة القضائية الفعالة.
ويأتي اعتقال الدكتور القرني ضمن سياق أوسع يتسم بتضييق متواصل على الدعاة والأكاديميين وأصحاب الرأي داخل المملكة، حيث يُستخدم الاحتجاز طويل الأمد دون محاكمة كوسيلة لإسكات الأصوات الدينية أو الفكرية التي تمارس نشاطها بصورة سلمية، حتى في غياب أي اتهامات معلنة أو أفعال مجرّمة.
إن استمرار احتجاز الدكتور قشمير محمد القرني دون سند قانوني معلن، ودون تمكينه من حقوقه الأساسية، يُعد انتهاكاً خطيراً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وتقتضي المسؤولية القانونية الإفراج عنه فوراً، أو تقديمه لمحاكمة علنية عادلة تستوفي كافة الضمانات، والكشف عن مكان احتجازه ووضعه الصحي والقانوني، وضمان عدم تعرّضه لأي شكل من أشكال المعاملة القاسية أو المهينة، بما ينسجم مع الالتزامات الحقوقية الواجبة.



























