في الوقت الذي تُمنع فيه دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة من ممارسة صلاحياتها الحصرية وإجراء أعمال ترميم وصيانة للسور الجنوبي الغربي للمسجد الأقصى المبارك، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستغل كل فرصة بهدف التخطيط لمؤامرة أو شيئاً خطيراً يُحاك ضد الأقصى.
وتحت غطاء وبذريعة الترميم، تجري ما تسمى “سلطة الآثار” الإسرائيلية أعمال حفر أسفل المتحف الإسلامي الملاصق لباب المغاربة وحائط البراق في الجزء الغربي من الأقصى، في خطوة تستهدف تغيير المعالم العربية الإسلامية، وفرض وقائع جديدة بالأقصى.
وبسبب الحفريات الإسرائيلية التي تجري في المنطقة، سقط في 23 يوليو/ تموز 2018، حجر صخري كبير من الجدار الغربي للأقصى، مما أثار مخاوف الأوقاف من أن تتبعه انهيارات أخرى.
وسقط الحجر فوق منصة الصلاة الخشبية المؤقتة المبنية لتكون مكاناً للصلاة المختلطة للإصلاحيين، والمعروف بمخطط “شارانسكي”، وهو مخطط يسعى لتوسعة ساحة البراق ببناء حجري دائم يصل حتى الزاوية الجنوبية الغربية.
وحينها، رأى مختصون ومراقبون أن ما جرى ليس عفوياً على الإطلاق، بل كان مخطط له، وقد يكون عبارة عن تجربة أو بالون اختبار، لمعرفة اتجاهات الحفر وسماكة جدران الأقصى، وبيان الخطورة الفيزيائية على السور.
وتعرض الجزء الجنوبي من السور الغربي للأقصى إلى عملية تعرية تاريخية مستمرة، إذ هدمت سلطات الاحتلال عام 1969 مبنى “الخانقاه الفخرية” الذي كان قائماً إلى شمال تلة المغاربة، ثم أزالت طبقات الردم المتراكم إلى الجنوب من مبنى الخانقاه المهدوم بعمق 6-9 أمتار، مما كشف حجارة الأساس العملاقة للسور وقلل من تدعيمها.
ومنذ عام 2007، عملت سلطات الاحتلال على إزالة ممر المغاربة الصاعد المعروف بـ “تلة المغاربة”، وأزيل معظم الردم وتبقت الأقواس والمنشآت الحجرية التي وجدت تحتها.
ولم يحظ هذا المقطع من السور-بحسب مؤسسة القدس الدولية-بعمليات صيانة وترميم خلال العقدين الأخيرين، كما عززت الحشائش والشجيرات النامية فيه تفسخ كحلة الحجر وزادت من القراغات فيما بين الحجارة مما يقلل من تماسك السور، في ظل منع سلطات الاحتلال طواقم الأوقاف الإسلامية من إجراء الترميمات اللازمة.
وكانت الأوقاف حذرت من خطورة الحفريات الجارية أسفل المتحف الإسلامي، مؤكدةً أنها استخدمت تسرب الماء لفحص وجود الحفريات والتأكد من تخلخل البنية في المنطقة، وأن تسرب الماء بشكل سريع يؤكد وجود حفريات.
أعمال حفر وترميم
ويقول المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب إن “سلطة الآثار” الإسرائيلية بدأت مؤخراً أعمال حفر وترميم بشكل مباشر بالقرب من جسر باب المغاربة، بما يشمله من تغيير للحجارة، وربما وضع بعض الرموز اليهودية لتغيير المعالم العربية الإسلامية وتزوير التاريخ.
ويوضح أن سلطات الاحتلال استخرجت خلال تلك الأعمال، بعض الحجارة من الأنفاق، والتي تم العبث بها ومعالجتها ومسح أي دلائل عربية إسلامية عنها، ووضعت يافطات كُتب عليها أن هذه الحجارة من حجارة “الهيكل” أو من حقبة “الهيكل”، حسب ادعاءاتها.
ويهدف الاحتلال من ذلك، للترويج لوجود “الهيكل” المزعوم، وغسل أدمغة الناس، وربما للإقدام على خطوة ما تجاه المسجد الأقصى، والادعاء بأن لهم حق فيه.
وفي16 يناير 2019، نصبت سلطات الاحتلال خمس “سقالات” حديدية في جزء من الجدار الغربي للمسجد الأقصى من جهة المتحف الإسلامي، ونفذت عدة حفريات عميقة كشفت عن أساسات المسجد، مما أدى إلى سقوط أحد حجارته الذي تم سرقته ونقله إلى جهة مجهولة.
ويشير أبو دياب إلى أن ترميم سور الأقصى الجنوبي الغربي من اختصاص الأوقاف الإسلامية، فهي صاحبة الحق الحصري الوحيد في إدارة الأقصى وصيانته وإعماره بموجب القانون الدولي، لكن سلطات الاحتلال تمنعها من الوصول إلى المنطقة، والتحقق مما يجري هناك.
وتستغل سلطات الاحتلال ذريعة الترميم بهدف التخطيط لمؤامرة خطيرة أو شيئاً مريباً يُحاك ضد الأقصى لفرض وقائع جديدة فيه، وهذا ما يخشاه المقدسيون.
ويعتبر سور الأقصى البالغ ارتفاعه 20 متراً، والمتحف الإسلامي جزءاً لا يتجزأ من المسجد، وهنا يؤكد أبو دياب أن الاحتلال يُخفي أمراً ما في المنطقة المستهدفة بادعاء الترميم، محذراً في الوقت نفسه من خطورة ما يجرى.
خطورة جسيمة
وبحسب الباحث في شؤون القدس، فإن تهويد المسجد الأقصى وصل لمرحلة الصفر، وبدأ يخترق أسواره، وتجري سلطات الاحتلال حفريات بالمنطقة تصل إلى 20 متراً تحت الأرض مستهدفة أساسات المسجد.
وهذه الحفريات تنفذها جمعية “إلعاد” الاستيطانية بإلزام من “سلطة الآثار”، وتهدف إلى وصل كبرى الحفريات الجنوبية المعروفة باسم “الطريق الهيرودياني”، والممتدة من بركة سلوان جنوباً وحتى الزاوية الجنوبية لسور الأقصى الغربي، وكبرى حفريات الجهة الغربية والمعروفة باسم “شبكة أنفاق الحائط الغربي”، والتي تمتد على ثلاث طبقات على كامل الرواق الغربي، وقد افتتحت عام 1996.
ويؤكد أبو دياب أن الاحتلال يستغل الأوضاع الإقليمية وانتشار وباء “كورونا” للانقضاض على الأقصى وفرض وقائع جديدة فيه، وما سياسة تفريغه من الفلسطينيين، وإصدار محكمة الاحتلال أمراً بإغلاق مصلى باب الرحمة وغيرها إلا دليلاً على ذلك.
وبالسؤال عن المطلوب فلسطينياً وعربياً لمواجهة سياسة الاحتلال، يُشدد أبو دياب على أن الحكومة الأردنية مطالبة بالتحرك بشكل جدي وفاعل تجاه ما يجري بحق الأقصى، كونها تمتلك أوراق ضغط دولية، وألا تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار.
ويطالب كافة المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على الإرث الحضاري والإنساني، بما فيها منظمة “اليونسكو” بالتدخل العاجل واتخاذ موقف حازم إزاء ما يحدث بالأقصى.
ويؤكد أن عدم وجود وقفة فلسطينية حقيقية جادة ستدفع الاحتلال إلى التمادي أكثر بانتهاكاته تجاه الأقصى، والاستمرار في التعدي على الإرث التاريخي والحضاري للمسجد.
(وكالة صفا)