أكثر من 446 شخصا تعرضوا للاختفاء القسري لفترات متفاوتة خلال العام الحالي
حياة المختفين قسريا في خطر في ظل عمليات التصفية الجسدية التي تنفذها الأجهزة الأمنية بحق المختفين
تواصل السلطات المصرية سياستها المنهجية في تعريض مئات الأشخاص للاختفاء القسري وحرمناهم كليا من حماية القانون، حيث تعرض أكثر من 446 شخصا للاختفاء القسري لفترات متفاوتة عقب اعتقالهم منذ مطلع العام الحالي 2019، ظهر بعضهم بعد أيام متهما في قضايا ملفقة، وبعضهم تعرض للتصفية الجسدية ثم أعلنت الداخلية مقتله خلال اشتباكات مسلحة، وظل مصير البعض مجهولا حتى الآن.
لم يسلم أي من الأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال التعسفي من الاختفاء القسري رجال أو نساء أو رموز سياسية، بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2018 تعرض النائب المصري المعارض مصطفى النجار للاختفاء القسري وانقطعت صلة أسرته به تماما حتى تاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول من ذات العام تلقت أسرته مكالمة هاتفية من مجهول أخبرهم أن النجار محتجز في معسكر الشلال التابع لقوات الأمن المركزي في أسوان، لكن لم يتسنى للأسرة التأكد من ذلك ليظل مصيره مجهولا حتى الآن.
وبينما تعاني أسر المختفين في رحلة البحث عن مصير ذويهم، تُسد أمامهم كافة الطرق القانونية وتمتنع الجهات القضائية عن فتح أي تحقيقات تخص عمليات الاختفاء، وتتعرض الأسر للخطر والتهديد إذا ما حاولوا البحث عن ذويهم في أقسام ومقار الشرطة، وتتضاعف معاناتهم عند إعلان الجهات الأمنية عن تصفية مطلوبين دون الإعلان عن بياناتهم، حيث تضطر الأسر إلى التواجد في جنبات المشارح لتفحص الجثامين بحثاً عن ذويهم.
في إفادتها للمنظمة قالت زوجة المعتقل المختفي قسريا سيد حسن علي مرسي (مواليد 4 أبريل/نيسان 1990) “زوجي مختفي قسرياً منذ حوالي عام ونصف، تحديداً منذ 20ديسمبر/كانون الأول 2017، حيث رفضت الأجهزة الأمنية تنفيذ قرار الإفراج عنه بعد حكم المحكمة بتبرأته من إحدى القضايا المعارضة للسلطات والتي حملت رقم 444 لعام 2016 أمن دولة، والتي تم ضمها للقضية رقم 103 لسنة 2014 حصر أمن دولة عليا والمقيدة برقم 35 لسنة 2014 جنايات.
بعد حكم المحكمة الصادر في 07 ديسمبر/كانون 2017 بتبرئة سيد، تم ترحيله إلى قسم شرطة الجيزة ثم الوراق ثم إمبابة، وبعد 13 يوماً تم اقتياده إلى مكان مجهول حتى الآن مع رفض تام الإفصاح عن مكان احتجازه أو أسباب اعتقاله، بعد عدة أشهر علمنا من محامين بعض المعتقلين الذي تعرضوا للاختفاء القسري داخل مقر الأمن الوطني في السادس من أكتوبر بالجيزة أن سيد محتجز هناك ويتعرض للتعذيب، وفي أبريل/نيسان 2018 ظهر معتقلون آخرون أكدوا ترحيل سيد لسجن العازولي، وجميعها تأكيدات غير رسمية حيث رفضت الجهات الرسمية الرد علينا.
عند إعلان الداخلية عن تصفية بعض الأشخاص نذهب إلى مشرحة زينهم للبحث عن جثته ربما نجده هناك، خاصة وأن الكثير من أهالي المختفين قسرياً يعثرون على جثث ذويهم في المشرحة ضمن المعلن عن تصفيتهم، ذهبنا إلى هناك أكثر من مرة، آخرها كان في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان عدد الجثامين التي رأيتها في قسم الوارد من الأمن الوطني -بحسب العاملين في المشرحة- حوالي 25 جثة، وضعهم مزري للغاية، بعضهم تحلل بالفعل ولم يتبق منه سوى عظام، والبعض الآخر تحول لونه للأزرق، وآخرين انتفخت جثامينهم للغاية.
لم أجد زوجي، وحتى الآن لا أعلم ان كان ما زال على قيد الحياة، وما زاد من حيرتي إعلان الداخلية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2018 عن تصفية 40 آخرين، دون تفاصيل عن مكان ووقت القتل، أو عن بياناتهم، وحاولت الدخول للمشرحة بعد ذلك للتحقق من وجود زوجي من عدمه، خاصة بعد عثور بعض الأهالي على جثامين أبنائهم المختفين قسرياً ضمن أولئك الـ40، إلا أن العاملين بالمشرحة منعوني وأخبروني بضرورة حصولي على تصريح للدخول، وهو ما رفضت الجهات المعنية إعطائه لي، وحتى الآن لا زالت تلك الجثامين قيد الاحتجاز داخل المشرحة رغم تعرف بعض الأهالي على ذويهم، ولا زال مصير زوجي مجهولاً”.
وفِي إفادة أخرى للمنظمة قالت زوجة المعتقل أحمد يسري محمد عبد العظيم (28 عاماً) وهو أحد المختفين قسرياً الذي عُثر على جثمانه ضمن الـ40 الذين أعلنت الداخلية عن تصفيتهم في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي “بعد سنوات من الاعتقال داخل سجن العقرب، بينهم سنة ونصف حرمان من الزيارة، حكمت المحكمة بتبرأة زوجي، والذي اعتقل بعد زواجنا بـ 15يوماً فقط في 2015، وتم ترحيله إلى قسم شرطة عين شمس لإنهاء إجراءات الخروج، اقتيد الى مكان مجهول وظل مختفي قسرياً لمدة 45 يوماً، لأتفاجأ بجثته ضمن الـ40 الذين أعلنت الداخلية عن تصفيتهم في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما وجدنا جثة ابن خالته المعتقل إبراهيم محمد حسن ضمن الـ40، وكان مختفي قسرياً أيضاً، وحتى الآن لم يتم الإفراج عن الجثث من مشرحة زينهم، بل حُرم بقية الأهالي من الدخول للمشرحة لفحص الجثامين”.
شهادات أخرى تحدثت عن معاناة الأهالي في رحلة البحث عن جثامين ذويهم المختفين قسرياً، خاصة القادمين من محافظات غير القاهرة، حيث يُطلب منهم لدخول المشرحة الحصول على طلب زيارة المشرحة من قبل المستشفى الجامعي التابع لمحافظاتهم، وهي إجراءات معقدة تستغرق الكثير من الوقت، وهو تأخير ليس في صالح الجثة التي قد تتحلل أو تختفي ملامحها ليدخل الأهالي في دوامة تحليل الحمض النووي، أو قد يتأخر الوقت فتقوم الدولة بدفن الجثث في مدافن الصدقة ليقتل أي أمل في معرفة مصير المختفي قسرياً.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تؤكد أن الوضع في مصر يزداد قتامة، وانتهاج الجهات الأمنية لسياسة الاختفاء القسري أصبح روتينيا في ظل تفشي الإفلات التام من العقاب لمرتكبي جرائم تعريض الأشخاص للاختفاء القسري، التعذيب، والتصفية الجسدية، وفي ظل اطمئنان النظام المصري لموقف المجتمع الدولي المنافق إزاء ما يرتكبه من جرائم بحق المواطنين.