القتلة مازالوا آمنين يوفر لهم النظام الإفلات التام من العقاب بينما يحاكم الضحايا ويواجهوا عقوبات قاسية تصل إلى الإعدام
أعداد القتلى ونوع الإصابات تفيد بتعمد الأمن استخدام القوة المميتة في مواجهة المعتصمين
الإعلام المصري الموالي للنظام شارك في حملة تحريضية مكثفة ضد المعتصمين تمهيدا لتنفيذ المجزرة
القضاء المصري مشارك في الجريمة باشتراكه في إصدار قرار الفض، وامتناعه عن فتح تحقيق في المجزرة حتى الآن
بعد مرور خمس سنوات على ارتكاب الأمن المصري لمجزرة فض اعتصامات المعارضين في رابعة العدوية والنهضة وغيرها من ميادين المحافظات المصرية، لا زال القتلة آمنين يوفر لهم النظام الإفلات التام من العقاب بينما يحاكم الضحايا ويواجهوا عقوبات قاسية تصل إلى الإعدام.
ويصادف اليوم 14 أغسطس/آب 2018 مرور خمسة أعوام على أكبر جريمة قتل جماعي في التاريخ المصري الحديث على يد أجهزة الأمن المصرية في فض اعتصامات معارضي السلطات المصرية في أعقاب الثالث من يوليو 2013 والذي نتج عنها مقتل أكثر من 1100 شخص بينهم نساء وأطفال بطرق وحشية، وإصابة واعتقال الآلاف بينهم 37 شخص على الأقل في عداد المفقودين لم يتم إجلاء مصيرهم أو تمكينهم من التواصل مع أسرهم حتى الآن.
إن الحقيقة التي يجب التأكيد عليها دائما أن أعداد القتلى ونوع الإصابات ـ أغلب الإصابات في الرأس والقلب ـ تفيد بتعمد الأمن استخدام القوة المميتة في مواجهة المعتصمين، وأن قرار فض الاعتصامات كان قرارا بالقتل، لا بإجلاء المعتقلين عن تلك الميادين بشكل آمن كما زعم الإعلام المصري حينها.
إن قرار المجزرة أتى بعد حملات تحريضية ضخمة من وسائل الإعلام المصرية، المرئية والمقروءة والمسموعة والتي كانت ومازالت تابعة لهوى النظام بعد إغلاق ومصادرة كافة الصحف والقنوات المعارضة، حيث قام الإعلام الموالي للسلطة باستخدام مقاطع فيديو مفبركة بعضها من دول أخرى خارج مصر لشيطنة المعتصمين ووسمهم بالإرهاب تماشياً مع تصريحات رسمية صدرت عن مسؤولين رسميين، وتكرر ترديد اتهامات للمعتصمين تتسم باللامعقولية مثل حيازة المعتصمين لأسلحة كيماوية او وجود مقابل جماعية أسفل الاعتصامات وهي أقوال عبثية للوهلة الأولى إلا أنه تم استخدامها لتمرير تلك الجريمة.
إن تلك الجريمة أتت بمشاركة السلطة القضائية المصرية والتي امتنعت حتى الآن طوال كافة تلك السنوات بتحريك أي دعوى جنائية أو تحقيق قضائي في أي من عمليات القتل تلك، بالإضافة إلى اشتراكها بشكل مباشر في إصدار قرار الفض، حيث صدر القرار بتاريخ 31 يوليو/تموز 2013 من النائب العام المصري السابق هشام بركات بعد ساعات من تقديم طلب بذلك من وزارة الداخلية المصرية.
وبعد مرور خمس سنوات على تلك الجريمة لم تفلح كافة محاولات الضحايا أو أسرهم للحصول على الانتصاف القانوني، حيث لم تقم أي جهة محلية أو دولية بتحقيق جاد، ولم توجه أي تهمة إلى فرد أمن واحد من الذين تسببوا في مقتل المئات، بل على العكس وجهت الاتهامات جزافا إلى من تعرض للاعتقال من المعتصمين وحُملوا جرائم قتل رفاقهم في الاعتصام، في القضية رقم 34150 لسنة 2015 جنايات أول والتي بلغ عدد المتهمين فيها 739 وفقاً لقرار الإحالة، وبعد خمس سنوات من المحاكمة تم إحالة أوراق 75 متهماً منهم في 28 يوليو/ تموز 2018 للمفتي لاستطلاع الرأي الشرعي في إعدامهم وتحديد جلسة 8 سبتمبر/أيلول المقبل للنطق بالحكم.
وفي ظل انهيار منظومة العدالة المصرية وانعدام حياد السلطة القضائية المصرية، وفساد التشريعات القانونية يظل محاسبة مرتكبي تلك المجزرة أمر صعب التحقق، حيث لا يتيح قانون الإجراءات الجنائية المصري للمجني عليهم أو ذويهم في هذا النوع من الجرائم تحريك الدعوى الجنائية بأنفسهم، ولا يتم تحريك أي ادعاء جنائي إلا من خلال النيابة العامة والتي تحولت منذ اللحظات الأولى إلى أداة قمعية بيد النظام كالشرطة والجيش يتم استخدامها للبطش بالمعارضين وإصدار آلاف القرارات باعتقالهم واستمرار حبسهم دون أي مبرر قانوني، وفي المقابل توفير الحماية الكاملة لأفراد الأمن وقيادته التي تورطت في تلك المجازر.
وعلى الرغم من تشكيل لجنتين محليتين للتحقيق في الأحداث إحداها من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان ـ مؤسسة شبه حكومية ـ والأخرى شكلت بقرار رئاسي للتحقيق في الأحداث إلا أنه وبعد صدور تقارير اللجنتين تبين أنهما لم تشكلا إلا لغسل جرائم النظام ولإسكات المطالبات المحلية والدولية لملاحقة المسؤولين عنها وبالتالي تعزيز الإفلات الكامل من العقاب حيث انتهى كلا التقريرين إلى تحميل المعتصمين مسؤولية الجرائم التي وقعت، بينما اقتصرت انتهاكات الشرطة على أخطاء إدارية وإجرائية.
طوال خمس سنوات فشلت الأمم المتحدة كذلك باتخاذ أي إجراء للتحقيق في هذه الجريمة وتقلصت المطالبات الدولية بفتح تحقيق في تلك الأحداث شيئا فشيئا، وبعد الاستنكار الدولي للمجزرة عادت العلاقات تباعا مع النظام المصري على الرغم من استمراراه في مساره الدموي واقدامه على ارتكاب المزيد من الجرائم كل يوم، على الرغم من خطورة هذه الجريمة والتي ترقى لجريمة حرب.
”إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تدعو كافة منظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم للضغط على حكوماتهم من أجل أن تتخذ مواقف صارمة تجاه هذا النظام الذي ارتكب أفدح الجرائم ولا زال أركانه يفلتون من العقاب.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تدعو مجددا الأمين العام للأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق كاملة الصلاحيات للكشف عن الجرائم التي ارتكبت في مصر في أعقاب الثالث من يوليو/ تموز 2013 وحتى الآن وتقديم المسؤولين عنها للعدالة.