في فترة رئاسة السيسي تم وضع قيود شديدة على حرية التعبير في مصر، وزاد العنف الذي تمارسه الدولة ضد من يسعون إلى الإصلاح
عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، محتجزون بشكل جماعي في متاهات السجون ومراكز الاحتجاز وثكنات الجيش وفي مواقع أخرى غير معروفة
تأثير أصوات أنصار التغيير محدود من قبل الحكومات الغربية نظرا للمصالح الغربية التي يوافقها الحفاظ على مصر بقيادة السيسي
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة بتاريخ 12 يوليو/تموز2018 في لندن تحت عنوان “مصر: خمس سنوات من القمع والإذلال”، وشارك في الندوة خبراء في حقوق الإنسان في مصر ما بعد الثورة، وهم هانا فيليبس، سهى الشيخ، ملك سارال، كاثرين أوبراين.
ركزت الندوة بشكل خاص على الوضع الحالي للحقوق السياسية والمدنية في مصر، مع التركيز على تحديات حقوق الإنسان على مدى السنوات الخمس الماضية وطرق معالجة تلك التحديات، وقد قام بإدارة الندوة روبرت أندروز، باحث ومحلل في المنظمة العربية لحقوق الانسان في بريطانيا ومتخصص بالقضايا المتعلقة بالشرق الأوسط.
افتتح الندوة روبرت أندروز، وبين في كلمته الوضع الحالي في مصر، وأشار إلى أن مصر تمر بأحد أسوأ أزمات حقوق الإنسان في تاريخها، وأن الرئيس السيسي منذ وصوله إلى السلطة قد استخدم “التعذيب والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري كأدوات للقمع”، وبدا ذلك واضحاً في قيام السلطة باعتقال واحتجاز آلاف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، ضمن محاولات القضاء على مجتمع مدني مستقل داخل البلاد، مما يدلل على فقدان القيم ذاتها التي عززت الثورة قبل سبع سنوات.
عقبت كلمة أندروز، كملة الباحثة بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا هانا فيليبس، والتي قدمت في كلمتها لمحة عامة عن الوضع في مصر على مدى السنوات الخمس الماضية، مع التركيز على المتغيرات التي تسببت في زيادة عدد المعتقلين السياسيين، كما عرضت بعض الإحصاءات لتوضيح خطورة الوضع.
وأشارت فيليبس أن أحد التكتيكات الأساسية التي استخدمها السيسي لتبرير احتجاز عناصر مختلفة من البيئة المصرية هو الإصلاح الشامل للنظام القضائي المصري، وتم هذا جنبا إلى جنب مع بداية “حالة الطوارئ” في البلاد وسلسلة من القرارات الرئاسية، سمحت للسيسي بإعادة تشكيل وتوسيع تعريفات الإرهاب وتعريفه ككل ما يشكل خطرًا على النظام.
وأفادت فيليبس أنه منذ الانقلاب على محمد مرسي في عام 2013، قام السيسي بإغلاق أكثر من 20 وسيلة إعلامية مختلفة وقنوات فضائية وصحف من أجل فرض قيود على حرية التعبير في البلاد، وقد اقترن ذلك بقتل 10 صحفيين، واعتقال أكثر من 200 صحفياً.
وأضافت فيليبس أن حرية التعبير في مصر ما بعد الانقلاب أصبحت “مقيدة بشدة” مع ازدياد عنف الدولة ضد من يسعون للإصلاح، وقد أوجد هذا “جيلًا من السجناء السياسيين” وأظهر مناخًا غير مسبوقاً من القمع، وبينت أنه في السنوات الخمس منذ وصول السيسي إلى السلطة، “قُتل أكثر من 3000 مصرياً، أكثر من 2000 منهم سقطوا نتيجة اعتداءات الأجهزة الأمنية على مظاهرات وتجمعات سلمية، بينما لقي أكثر من 700 شخصاً حتفهم داخل مقار الاحتجاز نتيجة للتعذيب والإهمال الطبي والاكتظاظ وظروف الاحتجاز السيئة.
أما فيما يتعلق بشبه جزيرة سيناء، أشارت فيليبس أن أكثر من عشرة آلاف مصري قد تم اعتقالهم إضافة إلى قتل 4 آلاف شخص أثناء رئاسة السيسي، ومع تفاقم هذه الأرقام بسبب الاحتجاز التعسفي لما يقدر بنحو 61 ألف شخصاً (منهم 5 آلاف قاصر) مع انتشار السجون، لا يمكن وصف فترة حكم السيسي إلا بأنها فترة قمع شديد.
تحدثت بعد ذلك الدكتورة سهى الشيخ، عضو المجلس الثوري المصري عن دور المنظمات غير الحكومية وجماعات المجتمع المدني في مصر، وعمليات تتبع وقمع نشطاء حقوق الإنسان داخل البلاد.
وأشارت سهى إلى أن مصر، منذ بداية أحداث يوليو/تموز 2013 قد تحولت إلى واحدة من أكثر الدول قمعية في العالم، وأن الفئة الشابة التي ميزت الحراك الثوري في ميدان التحرير في عام 2011 قد تم اختفاؤها تماماً، وأن هناك عشرات الآلاف من السجناء السياسيين والقيادات العمالية، مسجونون بشكل جماعي في متاهات السجون ومراكز الاعتقال وثكنات الجيش وغيرها من مواجع الاحتجاز السرية، ومما يضاعف هذا الأمر سوءاً هو أن مئات المصريين يختفون ببساطة كل عام والعديد من أولئك الذين يختفون يصبحون عرضة لعمليات القتل خارج نطاق القضاء.
وأضافت أنه في سياق أحكام الإعدام، أصبحت مصر أسوأ من المملكة العربية السعودية، وفي عام 2014 تم الحكم على أكثر من ألف شخص بالإعدام في قضية واحدة في مارس 2017، أحال النائب العام للمحاكمة 739 شخصًا في قضية فض ميدان رابعة، فأي ناشط أو مدافع عن حقوق الانسان يقوم بلفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها نظام السيسي، يصبح هدفا للدولة.
وعلاوة على ذلك، تم إغلاق الوكالة الرئيسية في مصر لمعالجة التعذيب وهو مركز النديم الذي أنشئ في عام 1993، والذي تم اغلاقه في عام 2017 حيث كان يعتبر تهديدًا لنظام السيسي بسبب السجل الذي احتفظ به للتعذيب الذي وقع في مراكز الاحتجاز.
وعرضت سهى عدداً من قضايا النشطاء المصريين الذين تعرضوا للقمع من قبل الدولة والتي تثبت وحشية النظام المصري، إحدى تلك الحالات هي حالة محمد صادق، محامٍ في مجال حقوق الإنسان، رفع دعوى ضد وزارة الداخلية من أجل إغلاق سجن العقرب، أحد أسوأ السجون في مصر فتم احتجازه وإخفاءه قسراً لمدة 90 يوماً في شهر أغسطس 2016 ولا يزال معتقلاً حتى الآن، وقضية أخرى هي قضية أحمد عبد الستار عماشة، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان اختفى لمدة 21 يوماً على أيدي أمن الدولة في مارس 2012، وقد روى لاحقاً أن تعذيبه شمل الصعق بالكهرباء والاغتصاب والتهديد بإلحاق الأذى بعائلته.
وإضافة إلى ذلك فتشمل الوسائل القمعية حظر السفر الذي أثر على أكثر من 400 محامٍ وناشط في مجال حقوق الإنسان، ومن أبرز القضايا هي قضية 43 أجنبياً ومصرياً من العاملين في مجال حقوق الإنسان الذين حُكم عليهم بالسجن، وتم تجميد ممتلكاتهم وفرض حظر السفر عليهم، وبالتالي فإن توجه السياسة المصرية في الوقت الحاضر هو تعريف واضح للقمع والاستبداد، وبالرغم من أن انتقادات النظام، قد أصبحت “أعلى صوتاً بقليل في الآونة الأخيرة” ، إلا أن تأثير أصوات أنصار الإصلاح محدود من قبل الحكومات الغربية لأن المصالح الغربية يوافقها الحفاظ على مصر بقيادة السيسي، وهذا الأمر يمثل مشكلة أساسية.
وتحدثت الدكتورة ملك سارال، وهي زميلة باحثة في جامعة سواس للقانون، عن حالة الحقوق السياسية والحقوق المدنية بعد الانقلاب وردة فعل المجتمع الدولي على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
بدأت ملك بالتحدث باختصار عن مشروعها البحثي المقارن الذي ينظر إلى بيئة ما بعد الربيع العربي في مصر مقارنة بتونس، وخلصت إلى أن الباحثين يركزون على مجموعة متنوعة من العوامل عند تقييم نجاح ثورات الربيع العربي، وتشمل هذه المتغيرات: نوع النظام، ووضع السلطة القضائية، والمجتمع المدني، والجيش، في حين أن تونس، على الرغم من عودتها إلى وضع سيئ إلى حد ما في ظل الوضع الراهن تحت رئاسة السبسي الا أنها لا تزال تمثل ثورة ناجحة إلى حد ما، بينما مثلت مصر إلى حد كبير مثالاً غير ناجح.
واستناداً إلى المقابلات مع نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء المجتمع المدني المصري، خلصت ملك إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان “مؤسسية” في مصر، لقد عزز الانقلاب شكلاً جديدًا من النظام لم يسبق له مثيل في مصر، حيث يشير البحث إلى حقيقة أن الفرق بين عهد مبارك وعهد السيسي هو أنه لا توجد الآن “خطوط حمراء”، وبالتالي، فإن انتهاكات حقوق الإنسان تؤثر على كل فرد في المجتمع، وهكذا أصبح التعذيب ممارسة مؤسسية منظمة في مصر، محصنة ضد الشكاوى وأي شكل من أشكال التعبير عن إدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث.
ووفقاً لملك، لعب المجتمع الدولي دوراً أساسياً في “تقويض العملية الانتقالية”، حيث لم تقف الحكومات الأجنبية ضد الانقلاب ورفضت انتقاد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مبررة ذلك بالحجج المتعلقة بسيادة الدولة أو الحرب على الارهاب واستخدامه ذريعة للقبول بمثل تلك الانتهاكات.
وكانت المتحدثة الأخيرة هي المحامية كاثرين اوبراين والتي تعمل في غرف المحاماة المعروفة في دوتي ستريت في لندن، حيث تحدثت عن بعض الحقائق حول الحقوق المدنية في مصر والخطوات التي يمكن اتخاذها لمعالجة تحديات حقوق الإنسان في مصر.
أشارت كاثرين إلى عملها الخاص في الشأن المصري وأوضحت كيف أن انتهاكات النظام المصري لحقوق الانسان تعتبر انتهاكاً للمعايير والقواعد المعترف بها دوليًا، وأكدت أن مصر معروفة دوليا على أنها واحدة من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم، على الرغم من كونها من الموقعين على العديد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تتطلع إلى احترام حقوق الإنسان، والأعجب من ذلك، أن منظمة فريدوم هاوس، وهي منظمة مراقبة مستقلة تركز على الحرية والديمقراطية، منحت مصر درجة 6 للحقوق السياسية ودرجة 6 للحرية المدنية وذلك على مقياس من 1-7(أسوأها7،وأفضلها1).
ثم انتقلت كاثرين إلى الحديث عن عملها الشخصي، وقالت إن عملها يختص بالطلبات المقدمة من هيئات الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية نيابة عن الأفراد الذين انتهكت حقوقهم بموجب القانون الدولي، ابتداءً بقضايا الاعتقال التعسفي، وأشارت كاثرين إلى أن مؤسستها قد مثلت عددًا من الأفراد الذين تم احتجازهم في ظل الاعتقال التعسفي في السجون المصرية، إحدى هذه الحالات هي حالة إبراهيم حلاوة الذي اعتقلته قوات الأمن المصرية أثناء مشاركته في مسيرة مؤيدة للديمقراطية في القاهرة في أغسطس 2013، حيث قضى أربع سنوات في السجن رغم كونه يحمل الجنسية الأيرلندية، وتمت تبرئته في وقت لاحق من جميع التهم الموجهة إليه، واتهم إبراهيم الذي كان في ذلك الوقت يبلغ من العمر 17 عاما، في قضية شاملة لأكثر من 500 متهم وشهد تعذيب زملائه السجناء أثناء العرض على أكثر من 20 محاكمة تم تأجيلها ووصفت كاثرين تلك المحاكم بالهزلية.
وثمة حالة أخرى نوقشت كانت عن بيترغرست، وهو مراسل لعدد من المؤسسات الإخبارية، ألقي القبض على بيتر، إلى جانب محمد فهمي وبدر محمد، من قبل نظام السيسي وتعرض للاحتجاز بتهمة تزوير الأخبار والتأثير السلبي على سمعة البلاد.
وأخذاً بعين الاعتبار الوضع الهزلي لحقوق الإنسان في مصر، لاحظت كاثرين أنه مما يثير الاهتمام هو أن مصر قد وقعت طواعية على جميع معاهدات حقوق الإنسان الرئيسية، مصر هي حالة يمكن فيها تقديم شكوى إلى لجان الأمم المتحدة وفريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي من خلال الإبلاغ عن الانتهاكات في مصر، هذا أمر مهم لأن استخدام هذه الهيئات والوسائل المتاحة تشكل جزءاً مهماً من الضغط من أجل التغيير من خلال حملة إعلامية دولية واسعة.
وأضافت كاثرين أنه من خلال تسليط المواطنين الضوء على انتهاكات الحكومة المصرية للحقوق الأساسية، ومن خلال دعم الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي ودعم عمل المنظمات الغير حكومية، يمكن أن يكون هناك تأثير إيجابي على بعض الحملات المطالبة بالإفراج عن الأفراد الذين يتعرضون لإجراءات قمعية.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تدعو الحكومات الدولية، بما في ذلك المملكة المتحدة، إلى التوقف فوراً عن الدعم المادي والدبلوماسي للنظام المصري، كما أنه من الضروري في ضوء الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تحدث في البلاد، أن تضع الأنظمة الغربية ضغوطاً ملموسة على مصر لتعديل سياساتها وإعادة تنظيم ممارساتها لتوافق المعايير الدولية المقبولة دوليًا.