قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن السلطات المصرية ارتكبت جريمة قتل عمدي جديدة بتنفيذها أحكام إعدام جائرة بحق عدد من معتقلين من المتهمين في القضية رقم 12749لسنة 2013 جنايات الجيزة، وهي أحكام بُنيت على تحريات أمنية مفبركة افتقدت إلى المنطق والمصداقية، فضلاً عن عدم تعرف أي من الشهود على المتهمين.
وكانت السلطات المصرية، وبسرية تامة دون إخطار مسبق للأهل، قد قامت بتنفيذ أحكام الإعدام فجر الاثنين 26 أبريل/نيسان الجاري في سجن وادي النطرون، وبحسب الإعلان الرسمي لوزارة الداخلية فقد تم إعدام 09 من أصل 17 متهماً من المحكوم عليهم بالإعدام في هذه القضية، لكن مصادر خاصة من المحامين وعائلات المتهمين أكدوا إعدام جميع المتهمين، وهم: عبد الرحيم جبريل، وليد سعد أبو عميرة، محمد رزق أبو السعود، أشرف سيد رزق، أحمد عويس حسين، عصام عبد المعطى، أحمد عبد النبي، بدر عبد النبي، قطب سيد قطب، عمر محمد السيد، عزت العطار، على السيد قناوي، عبد الله سعيد، محمد يوسف الصعيدي، أحمد عبد السلام، عرفات عبد اللطيف، مصطفى السيد القرفش.
قضايا ملفقة
وأوضحت المنظمة أن القضية محل الاتهام تتعلق بأحداث مركز شرطة كرداسة التي صاحبت اعتصامي فض رابعة والنهضة عام 2013، والتي قام بها مجهولون لم تستطع الدولة تحديد هويتهم، لكنها في المقابل قامت بتلفيق التهم إلى معارضين في تلك البلدة أو من أبدوا تعاطفاً مع ضحايا الفض، وهو ما أثبتته أوراق القضية التي خلت من شهادات شهود إثبات أو أي أدلة واضحة للإدانة، خاصة وأن عملية اقتحام مركز الشرطة تم تصويرها من أكثر من زاوية ولم يظهر فيها أي من المتهمين.
وأضافت المنظمة أن هذا الحكم كغيره بُني على تحريات أمنية مفبركة لا تستند إلى أي دليل مادي أو تصور منطقي، بالإضافة إلى اعترافات انتزعت من بعض المتهمين تحت وطأة التعذيب وهو ما دفع محكمة النقض إلى إلغاء الحكم في القضية في العرض الأول عليها وإعادة المحاكمة أمام محكمة جنايات أخرى قبل أن تعود وتقبل ذات الأدلة كسبب للإدانة في الحكم المذكور.
متهم في الثمانين من عمره
وذكرت المنظمة أن من بين المتهمين الذين نُفذ فيهم حكم الإعدام، رجل في الثمانينات من عمره يدعى الشيخ/ عبد الرحيم عبد الحليم عبد الله جبريل، وبالإضافة إلى عدم معقولية اشتراكه في أي أعمال عنف نظرا لكبر سنه، فإن شهود عيان تقدموا إلى المحكمة بشهادات موثقة في الشهر العقاري المصري، أن “جبريل” لم يكن ضمن المتواجدين أصلا في محيط مركز شرطة كرداسة يوم الواقعة، بالإضافة إلى أن شاهدا النيابة أنكرا توقيعهما على الإفادات الخطية التي ُقدمت للمحكمة والتي تفيد اشتراكه في الأحداث، ورغم ذلك تجاهلت المحكمة هذه المستندات وقضت بإعدامه.
بالإضافة إلى ذلك، وبحسب محامي الشيخ “عبد الرحيم” -صاحب السجل الجنائي النظيف- فإنه مصاباً بمرض الصدفية، ولا يقوى على السير لمسافات طويلة، ما يستحيل معه قيامه أو اشتراكه في أي عمليات إجرامية أو هجومية.
السيسي المسؤول الأول عن دماء هؤلاء الأبرياء
وبينت المنظمة أن محكمة النقض المصرية كانت قد قضت الاثنين 24 سبتمبر/ايلول 2018 برفض الطعون المقدمة من 135 متهماً القضية المعروفة إعلامياً بقضية “أحداث مركز شرطة كرداسة”، من بينهم 20 شخصاً تم تثبيت أحكام الإعدام بحقهم لتصبح الأحكام بعدها باتة جاهزة للنفاذ في أي وقت.
وأكدت المنظمة أن هذه الإعدامات يتحمل المسؤولية الأولى عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي انتهج في حكمه كافة أشكال القمع ضد جميع منتقدي النظام في مصر، وأبرزه ممارسة القتل العمدي بحق المعارضين عبر أورقة المحاكم بعد أن عمل بشكل مكثف على إهدار منظومة العدالة، وإخضاع المحاكم لإرادة السلطات الأمنية ما يحرم المعتقلين من أي فرصة للتمتع بالمحاكمة العادلة.
ولفتت المنظمة إلى توقيت تنفيذ هذه الأحكام، والذي تزامن مع بث مسلسل “الاختيار2” والذي يحاول النظام من خلاله -إلى جانب البرامج التليفزيونية الأخرى- إضفاء قشرة الشرعية على حملة القمع المسعورة المستمرة بحق المعارضين، من خلال تمويل مثل هذه المسلسلات التي تحاول تبييض جرائم النظام وتبرير انتهاكاته لحقوق الإنسان.
وأشارت المنظمة إلى أنه قبل ستة أسابيع فقط، انتقدت أكثر من 30 دولة في الدورة 46 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “القيود المفروضة على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، والمساحة الضيقة المقيدة للمجتمع المدني والمعارضة السياسية، فضلاً عن استخدام تشريعات قانونية ضد النقاد السلميين بحجة مكافحة الإرهاب” وكلها جزء من استراتيجية ممنهجة من جانب الدولة.
وأضافت المنظمة أن المعارضين المعتقلين يمرون برحلة معاناة بالغة تبدأ من لحظة اعتقالهم وتعريضهم للاختفاء القسري وحرمناهم من التواصل مع العالم الخارجي، مرورا بتعريضهم للتعذيب البشع بغية إجبارهم على الاعتراف باتهامات مفبركة تدينهم، وصولا إلى محاكمات جائرة تصدر أحكاما قاسية بحقهم تصل إلى الإعدام التي تقدم السلطات على تنفيذها دون تأخر.
وطالبت المنظمة الأمين العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي باتخاذ مواقف حاسمة وتدابير جادة للضغط على السلطات المصرية لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام بحق عشرات المعتقلين التي صدرت بحقهم أحكام مماثلة، فالوقت ينفد وأرواح مئات المحكوم عليهم في خطر.